عندما نقول إنه يمكن لشخص اختراق جهاز تنظيم ضربات القلب لدى شخص آخر أو مضخة الأنسولين، وربما يتسبب في قتله فقط عن طريق اعتراض الإشارات اللاسلكية وتحليلها، ربما يبدو الأمر صادماً للعقل البشري الذي لا يقبل أن يصدّق أي أمر خلف استيعابه لمعطيات العالم من حوله، ولكنه يبقى احتمالاً قائماً في المستقبل في ظل تسارع اكتشافات التكنولوجيا فائقة الذكاء، وبروز مصطلح إنترنت الهيئات (IoB) أو الجسد المادي، وهو يتعلق باستخدام جسم الإنسان كأحدث منصة بيانات، وقد يبدو هذا المفهوم مخيفاً للغاية، ولكنه في الحقيقة مجرد البداية لما سيصل إليه الإنسان في هذا البعد والمجال.

فعندما تتصل إنترنت الأشياء (IoT) بجسمك تكون النتيجة هي إنترنت الأجسام (IoB)، هو امتداد لإنترنت الأشياء، وتربط أساساً جسم الإنسان بشبكة من خلال الأجهزة التي يتم ابتلاعها أو زرعها أو توصيلها بالجسم بطريقة ما، وبمجرد الاتصال يمكن تبادل البيانات، ويمكن مراقبة الجسم والجهاز والتحكّم فيه عن بُعد ويصبح جزءاً من النظام البيئي لإنترنت الأشياء، مما سيمكننا من جمع بيانات حول وظائف جسم الإنسان وتغييرها، وربما التفاعل معه، حيث ينقسم التسلسل الهرمي للأجهزة التي تشكل الأنظمة البيئية لتلك المنظومة لثلاثة أجيال: منها الجيل الأول خارج الجسم وتقنيات يتم ارتداؤها أو توصيلها جسدياً بجسم الإنسان، والجيل الثاني داخل جسم الإنسان، حيث توضع هذه الأجهزة داخلياً في جسم الإنسان، وقد يتم تناولها أو زرعها جراحياً.

وأما الجيل الثالث، فهي مرحلة يمكن فيها دمج الأجهزة الإلكترونية بالكامل مع جسم الإنسان، والعمل معاً مع الحفاظ على اتصال عن بُعد في الوقت الفعلي.

ولا شك في أن هنالك مخاطر ستصاحب هذه التقنية التي ستكون حتماً ملازمة لإنسان المستقبل القريب.

ونحتاج إلى التفكير في تداعيات الخصوصية والأمان للأجهزة التي تعيش معنا وفينا، ولكن الفوائد الخارقة لتلك التقنية سيكون من الصعب تجاهلها أو عدم تبنّيها، كأن يكون لشخص بنكرياساً صناعياً يمكن أن يساعد مرضى السكري على التحكم في مستويات السكر في الدم، أو شرائح دماغية تسمح لمبتوري الأطراف بالتحكم في أطرافهم الاصطناعية؛ والدعامات الذكية التي يمكنها مراقبة تجلّط الدم بنفسها، والشرائح الحيوية التي تمكّن الشخص من استعادة السمع، أو زراعة عين تجعل الرؤية ممكنة لشخص كفيف.

والتحدي يكمن هنا في وضع القوانين والتشريعات والقواعد الأساسية لشفافية البيانات، وحماية الخصوصية وبناء معايير الأمن والأمان منذ البداية، ووضع حلول لتقليل الفجوة بين من يملك ثمن تلك التقنيات ومن لا يملكها من أفراد ومجتمعات ودول، وبالتالي تشكّل مفهوم الإنسان الخارق الذي سيستحوذ على الوظائف والمهارات والثروات، والقائمة تطول لأسئلة ليس لها حلول أخلاقية تذكر.

فسيتمكن بعض الأشخاص والمجتمعات من الاستفادة القصوى من تلك الثورة المعرفية التقنية، وذلك كتلقي علاج كيميائي رقمي يجمع بين أدوية العلاج الكيميائي وجهاز استشعار يلتقط ويسجل ويشارك المعلومات مع مقدمي الرعاية الصحية فيما يتعلق بجرعة الدواء ووقته، بالإضافة إلى بيانات أخرى عن الراحة والنشاط ومعدل ضربات القلب وأكثر.. وآخرون معزولون تقنياً ضد من يملكون واجهة كمبيوتر الدماغ (BCI) على سبيل المثال، حيث يتم دمج دماغ الشخص مع جهاز خارجي للمراقبة والتحكم في الوقت الفعلي، والمساعدة في استعادة الوظائف للأفراد ذوي الإعاقة باستخدام إشارات الدماغ بدلاً من المسارات العصبية العضلية التقليدية، ولكن ليست كل حالات استخدام إنترنت الأجسام هي لأسباب تتعلق بالرعاية الصحية، وشركات الهندسة الحيوية تطور التقنيات التي يكون فيها الجسد هو بنك متحرك وحافظة أموال حيوية، وغيرها من الأمور المذهلة في الحقيقة كأن تصبح أجهزة الكمبيوتر صغيرة جداً، بحيث يمكن دمجها تحت الجلد أو زرعها داخل الجسم، أو دمجها في العدسات اللاصقة وتثبيتها فوق مقلة العين.

* كاتب وباحث إماراتي في شؤون التعايش السلمي وحوار الثقافات.