خانت الحساباتُ حكومة الدبيبة بالدعوة لمؤتمر لوزراء الخارجية العرب في طرابلس في 22 يناير الجاري، لم يكن له أي هدف محدد سوى البحث عن شرعية عربية لهذه الحكومة المعروفة بـ«حكومة الوحدة الوطنية» كاسم على غير مسمى، بالنظر إلى استمرار حالة الانقسام السياسي الراهنة في ليبيا، تماماً كما كانت حكومة فايز السراج، التي نجمت عن «اتفاق الصخيرات»، تُسمى «حكومة الوفاق الوطني». وقد جاء الحضور في هذا المؤتمر ليثبت مدى محدودية التأييد الذي تتمتع به هذه الحكومة عربياً، فقد حضرت المؤتمر7 دول عربية فقط من أصل 21، ناهيك بأن تمثيل 4 دول من السبع الحاضرين كان دون المستوى الوزاري، وبأن الدول العربية الأكثر تأثيراً في الملف الليبي، مثل مصر والإمارات والسعودية، غابت عن الاجتماع، كما أن الأمين العام لجامعة الدول العربية لم يحضر على أساس أن النصاب القانوني لصحة الاجتماع لم يكتمل، وبالتالي فهو اجتماع تشاوري لا تعبّر نتائجُه عن الجامعة العربية ولا تلزمها.
والحقيقة أن ما حدث لم يكن مفاجئاً إذا تذكّرنا مجريات اجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب في دورة سبتمبر الماضي التي غادر فيها وزير الخارجية المصري الاجتماع بمجرد ترؤس وزيرة خارجية حكومة الدبيبة له، كإشارة إلى عدم الاعتراف بشرعية الحكومة على أساس أن البرلمان الليبي قد كلّف باشاغا بتشكيل الحكومة في مارس 2022. 

وكان وزير الخارجية في حكومة باشاغا قد أرسل خطابات إلى جميع وزراء الخارجية العرب للامتناع عن حضور الاجتماع الذي دعت إليه حكومة الدبيبة في 22 يناير الجاري، لحين الفصل من قِبَل الجامعة العربية في أحقية ترؤس حكومة الدبيبة للاجتماع مشدداً على وجوب انتظار قرار الجامعة بشأن أحقية إحدى الحكومتين في رئاسة الاجتماع، ومؤكداً أن حكومتَه ستمتثل للقرار.
والحقيقة أن «لعبة الشرعية» باتت لعبةً سخيفة وغير مجدية في الوضع الراهن في ليبيا، فأيهما أجدى؟ الصراع من أجل إثبات شرعية أي من الحكومتين المتنازعتين في ليبيا أم محاولة توفير المقومات الضرورية للتوصل إلى حل ينهي معاناة الشعب الليبي ويعيد لليبيا وحدتَها واستقرارَها؟
والواقع أن مؤتمرَ طرابلس بدلاً مِن يقدّم بارقةَ أمل للحل، ألقى الأضواء على استمرار صعوبته.. فلكي يتم إنجازُ حلٍ ما، لا بد مِن توافق العوامل المحلية الليبية والعربية والإقليمية والدولية على جوهر هذا الحل، بينما كشف المؤتمر عن غياب فادح لهذا التوافق، فمجرد الدعوة للمؤتمر دليل واضح على عمق الانقسام الداخلي في ليبيا ممثلًا في التنازع الحاد بين حكومتي الدبيبة وباشاغا. ومع أن حضور المؤتمر ومستوى التمثيل فيه كان ضَعِيفاً فإنه مثَّل إشارةً إلى غياب الإجماع العربي الحاسم على موقف محدد مما يجري في ليبيا. وعلى المستوى الإقليمي لا تبدو في الأفق أي مؤشرات مشجعة على تحولات إيجابية في مواقف القوى الإقليمية المؤثرة فيما يجري داخل ليبيا. أما الوضع الدولي فحدث عنه ولا حرج حيث اهتمام القوى الكبرى الأول منصب على الصراع الدائر على الأرض الأوكرانية، والذي من شأن نتائجه أن تحدد بدرجة كبيرة بنية قيادة النظام العالمي ربما لعقود قادمة، وفي هذه الظروف يصعب تصور أن تُخصص دولتان مؤثرتان في الصراع كالولايات المتحدة وروسيا الاهتمامَ والموارد الكافية لنقله من حالة الجمود الراهنة إلى طريق الحل. كما أن الدول الأوربية الكبرى ذات المصالح في ليبيا تبدو معنية بحماية هذه المصالح وتعزيزها أكثر من محاولة الوصول إلى حل يفضي إلى الاستقرار في ليبيا، وهو ما أظْهرته الزيارة الأخيرة لرئيسة الوزراء الإيطالية لطرابلس.. فما العمل؟

*أستاذ العلوم السياسية -جامعة القاهرة