انتقل إلى رحمة الله تعالى الدكتور الشيخ خالد بن خليفة آل خليفة نائب رئيس مجلس الأمناء والمدير التنفيذي لـ«مركز عيسى الثقافي»، رئيس مجلس أمناء «مركز الملك حمد العالمي للتعايش السلمي»، ومؤسس ورئيس مجلس أمناء «منتدى البحرين للكتاب». عرفتُه في إطار منتدى الفكر والثقافة (تحالف مراكز الفكر والثقافة العربية) الذي كان واحداً من مؤسسيه وأعضائه، وكنا نحن المثقفين العرب تستوقفنا ابتسامتُه الدائمة ونبوغُه الكبير ودبلوماسيتُه التي ظهر بها وسط نظرائه، كما ظهر بمواقفه الوطنية الرائدة، وإنجازاته العلمية العديدة، وكذا بالمسؤوليات السامية التي تحمل أعباءَها بكفاءة فائقة وخبرة كبيرة.. في مختلف المجالات التعليمية والثقافية والسياسية على مدى عقود، ونهض بها جميعاً في إقبال على الحياة وتفاؤل واستبشار بما هو قادم.
وبقدر ما تمرّس الفقيد على الدرس والبحث، بقدر ما تمرَّس على العمل المؤسساتي، فتوهّجت أفكارُه وترسّخت قناعاتُه.. وأضاف إلى الفكر المشاركةَ وإلى التساؤل الفعلَ.. وبذلك كان الفقيد شاهداً وحاضراً في كثير من قضايا الشأن العام البحريني والعربي. 
شرّفني المرحوم الدكتور الشيخ خالد بن خليفة في بيتي بمدينة فاس، وكنا نتحدث الساعات الطوال في العلْم والأدب والتاريخ والديبلوماسية، وكان يحب المغربَ، وقد ساهمتُ معه تحت مظلة معالي الدكتور جمال سند السويدي في جعل منتدى الفكر والثقافة (تحالف مراكز الفكر والثقافة العربية) هيئة علمية بحثية تمثل عدداً من مراكز البحوث والدراسات العربية والأفراد المختصين ولها شخصية اعتبارية مستقلة، وتخضع في ممارسة اختصاصاتها لأنظمتها وقواعدها، وتسعى إلى تحقيق أهدافها وعلى الأخص منها: دعم متخذي القرار في دول المراكز البحثية العربية الأعضاء في التحالف ورفع الوعي لدى الرأي العام العربي، وتوفير الرؤية السياسية المعمقة لصياغة القرارات السياسية العربية وإثراء الحياة العلمية. ثم إن القضايا التي تناقش في هذه المنتديات ليست فقط سياسية أو جيواستراتيجية وإنما أيضاً تنموية وصناعية وتحديثية وتربوية وتعليمية.
ويصح لنا القول بأن كل الملتقيات التي قام بها التحالف تتعدى من حيث المضمون ما عهدناه في الاجتماعات الرسمية وغير الرسمية المتعلقة بالعمل العربي المشترك، أولا لأن لها طابع الديمومة، فما توقفت اجتماعاتنا الدورية ولا أُلغيت ولا أُجلت.. وثانياً لأنها تتحرى الموضوعيةَ والعلميةَ، فلا مجال لاستعمال الأنا والابتعاد عن أصول المناهج العلمية الهادفة.. وثالثاً لأنها تسعى إلى أن يكون هناك عمل عربي مشترك يحفظ للأمة العربية كيانَها وسلامة أراضيها واستقرار شعوبها ورفاهيتها.. ورابعاً لأن هذا الاتحاد علاوةً على تقديمه الحلولَ فهو أصبح بمثابة آلية للتخطيط تساهم لا محالة في صياغة براديغمات وأطر فكرية لتحديد طبيعة المشاكل التي تواجه المنطقة العربية والتطور الإنساني والمجتمعي في المستقبل، وهذا العمل هو الذي يمكن أن يوجّه قرارات القادة السياسيين ووضع حلول وبدائل مستقبلية.. وخامساً وأخيراً لأن أية استراتيجية ممكنة فهي فكرية بالدرجة الأولى قبل أن تصبح سياسة عمومية.
فالله تعالى أسأل أن يتغمد الفقيد برحمته، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

*أكاديمي مغربي