قررت الهند المضي قدماً في خطط تطوير جزر أندمان ونيكوبار التي تتمتع بموقع استراتيجي مهم وتحويلها إلى مركز شحن، وذلك ضمن جهود ترمي إلى تعزيز حضورها في المحيط الهندي لأهداف استراتيجية واقتصادية.

وفي هذا الإطار، من المرتقب إنشاء ميناء للشحن العابر ومطار دولي ومحطة لتوليد الكهرباء وقرية بكلفة تقدر بنحو 720 مليار روبية في «جزيرة نيكوبار الكبرى» التي تُعد أكبر جزر نيكوبار وتقع في أقصى جنوبها. هذا المشروع حظي بموافقة وزارة البيئة الهندية قبل بضعة أشهر، وهي موافقة كانت ضرورية بالنظر إلى التخوفات البيئية بشأن التأثير الإيكولوجي على الجزر البكر. غير أنه لا شك في أن الاعتبارات الاستراتيجية هي التي تقف حالياً وراء تطوير الجزر وسط جهود تروم تعزيز قوة الهند البحرية.

وتُعد «جزيرة نيكوبار الكبرى» جزءاً من جزر أندمان ونيكوبار، وهي مجموعة تضم حوالي 300 جزيرة وتشتهر بأشجار المانغروف وبغاباتها المطيرة الاستوائية. وتقع إلى الشرق من خليج البنغال وغرب بحر أندمان.

وتنقسم الجزر إلى مجموعتين هما جزر أندمان وجزر نيكوبار. وتفصل بينهما «قناة عشر درجات» التي يبلغ عرضها 150 متراً، وتفصل بين جزر أندمان إلى الشمال وجزر نيكوبار إلى الجنوب. وحتى الآن، كانت كل الأنشطة التطويرية تتركز على العاصمة «بورت بلير» التي توجد بها قاعدة بحرية للقوات المسلحة الهندية.

لكن الخطط الحكومية تقضي الآن بتطوير أجزاء أخرى من الجُزر وإنشاء ميناء أكبر في الجزر التي تتميز بموقع استراتيجي مهم. كما تشمل الخططُ تطويرَ بنية تحتية سياحية، إلى جانب خلق روابط اقتصادية، وتقوية البنية التحتية لجذب الاستثمارات والأعمال التجارية.

وتمتد الخطة الحكومية الطموحة الخاصة بالبنية التحتية إلى مجالات أخرى تشمل إنشاء منطقة ترفيهية، ومدينة للسينما، وفنادق شاطئية. كما يرتقب إنشاء منطقة اقتصادية خاصة بالسياحة في جزيرة تدعى «أندمان الصغرى»، التي تبلغ مساحتها حوالي 707 كيلومترات مربعة، وذلك بهدف النهوض بالسياحة وجذب السياح من الهند، ولكن أيضاً من بلدان أخرى مثل دول جنوب شرق آسيا.

غير أن الهدف من الناحية الاستراتيجية ينصب على «جزيرة نيكوبار الكبرى»، التي تقع على الخطوط البحرية القريبة من مضيق ملقا، وهو خط بحري مهم جداً في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. وتقع هذه الجزيرة على المسافة ذاتها تقريباً من ميناء كولومبو السريلانكي، من جهة، وميناء كلانج الماليزي وشواطئ سنغافورة، من جهة ثانية.

وهي قريبة جداً من ممر الملاحة الدولية بين الشرق والغرب. وعلاوة على ذلك، تسعى الحكومة إلى ربط الجزر مع منطقة آتشيه في إندونيسيا، والتي تبعد عنها بنحو 148 كيلومتراً فقط. ويذكر هنا أن الهند وإندونيسيا تباحثتا حول «التحديات» المرتبطة بربط جزر أندمان ونيكوبار مع ميناء سابانج الذي يتم تطويره بمساعدة هندية في آتشيه.

ويوجد هذا الربط قيد الإنشاء منذ أربع سنوات. غير أن مشروع التطوير يشكّل كذلك مثالاً لأهمية التوفيق بين الأنشطة التطويرية والمحاذير البيئية. ذلك أن الجزر تُعد موطناً لـ14 فصيلة نادرة من الثدييات على الأقل، و71 نوعاً من الطيور، و26 فصيلة من الزواحف، و10 فصائل من البرمائيات، و113 فصيلة من الأسماك.

والآن، سيتم إخلاء نحو 130 كيلومتراً مربعاً من الغابات، بما في ذلك أكثر من 900 ألف شجرة، من أجل إقامة المشاريع الجديدة. كما تشمل بعض الأشغال التطويرية أجزاء من خليج غالاثيا، وهي منطقة تعشيش معروفة لسلاحف المحيط جلدية الظهر، المصنّفة على أنها حيوانات هشة. الجزر لديها سكان يبلغ عددهم زهاء 400 ألف نسمة، من بينهم قبائل السكان الأصليين مثل قبيلة «جراوا» التي تعيش في الجزيرة منذ آلاف السنين.

ويقول نشطاء البيئة إن مشاريع التطوير يمكن أن يكون لها تأثير على تلك القبائل. وإلى جانب قبائل السكان الأصليين، هناك أيضاً ضباط سابقون في الجيش استوطنوا المكانَ بقرار من الحكومة الهندية في السبعينيات. غير أن الهند مصممة على المضي قدماً في التطوير، إذ يكمن هدفُها الاستراتيجي الأكبر في تقوية حضورها في منطقة آسيا والمحيط الهادئ وسط تنامي نفوذ الصين في المحيط الهندي.

وفضلاً عن ذلك، فإن تطوير الجُزر ينسجم أيضاً مع سياسة «انظر شرقاً» التي تبنَّتها البلاد، وذلك على اعتبار أنه يحمل بين ثناياه فرصَ توطيد العلاقات مع إندونيسيا ودول أخرى من تكتل «الآسيان»، وبالتالي تكريس الأهمية الاستراتيجية لهذه الجزر. فلسنوات ظلت هذه الجزر محرومةً من التنمية، لكن الهند الآن تريد استغلال قيمة جُزرها الاستراتيجية.

ولا شك في أن تطوير الجزر مهمٌّ لمصلحة الهند الاستراتيجية ولتقوية حضورها البحري في وقت يحتدم فيه سباق عالمي على تقوية الحضور البحري وتعزيز التجارة البحرية وتأمين خطوط الاتصال البحرية.

وإلى جانب الاستثمارات الاقتصادية، تسعى الهند أيضاً لزيادة الاستثمارات الدفاعية في المحيط الهندي، إذ توجد خطة لزيادة قوة الجيش البشرية وموارده في الجزر، وهذه بدورها تندرج ضمن خطة استراتيجية أكبر.

*رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي