برغم كونها واحدة من أكبر الدول المصدرة للوقود الأحفوري، تسعى دولة الإمارات إلى تقليل الاعتماد على الطاقة المولَّدة باستخدامه، ذلك لأنها أدركت ومنذ وقت مبكر حجم الضرر الذي تتسبّب به الانبعاثات الكربونية الناجمة عن حرق هذا الوقود على العناصر الأساسية للحياة في هذا الكوكب، وعلى رأسها البيئة والغلاف الجوي الذي بات يعاني اليوم كثيراً من تبعات وآثار الإفراط في حرق الفحم والمشتقات النفطية.

والواقع أن دولة الإمارات ليست من بين الدول التي تنتج كميّات كبيرة من الانبعاثات، إذ لا يمكن مقارنة بصمتها البيئية بمثيلاتها في الكثير من دول العالم، إلا أنها تستشعر حجم المسؤولية الملقاة على عاتق الحكومات في العالم تجاه ما آلت إليه الأمور فيما يتعلق بحالة الغلاف الجوي للأرض، وما لحق بطبقة الأوزون من ضرر، وما تَسبّب به كل ذلك من تغيّر مناخي بات يهدّد الكثير من مظاهر الحياة، وينذر بعواقب قد تكون أكثر جديّة وخطورة خلال العقود الأربعة أو الخمسة المقبلة.

نعم، أخذت الإمارات الأمور على محمل الجدّ، وعقدت العزم وسارعت الخطى نحو كلّ ما من شأنه إصلاح الأمور وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وأطلقت مبادراتها على أكثر من محور، وتضمّن ذلك تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط كمصدر له، والتحوّل نحو إنتاج الطاقة النظيفة والاعتماد عليها، وأطلقت في عام 2012 استراتيجيتها للتنمية الخضراء، التي استهدفت بناء اقتصاد أخضر لتنمية مستدامة، لتكون رائداً عالميّاً في هذا المجال ومركزاً لتصدير وإعادة تصدير المنتجات والتقنيات الخضراء، إضافة إلى الحفاظ على بيئة مستدامة تدعم نمواً اقتصاديّاً طويل المدى.

حقّقت الإمارات قصب السبق في الاعتماد على الطاقة النظيفة وتنويع مصادرها، فاستغلّت الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وكانت تجربتها في إنشاء مدينة «مصدر» في أبوظبي، كأحد أكثر المجتمعات الحضرية استدامة في العالم، ملهمةً للدول وكذلك للباحثين والعلماء والمختصّين، في مجال التطوير العمراني المستدام اقتصادياً واجتماعياً وبيئياً، وبرهاناً على أنه يمكن فعلاً للإنسان أن يعيش حياته بكل ما فيها من رفاهية من دون أن يلحق الضرر بالبيئة، وأن يعتمد في ذلك على حلول واقعية في مجال المياه، وكفاءة استخدام الطاقة، والحد من النفايات.

الطاقة النووية، والوقود الحيوي، دخلت أيضاً استراتيجية التحوّل الإماراتية، وغدت مساهماً أساسياً في إنتاج الكهرباء الصديقة للبيئة، التي ستبلغ حصّتها عن اكتمال تشغيل محطات براكة للطاقة النووية الأربع، 25% من مجموع احتياجات الدولة من الكهرباء، ومن ثمّ تحقيق خفض كبير ومؤثر في الانبعاثات الكربونية يصل إلى ما يزيد على 22.4 مليون طنّ سنوياً.

قول وفعل، هذا هو دأب الإمارات وقيادتها الرشيدة، التي آلت على نفسها منذ عهد زايد الخير، أن تكون ريادية في المحافظة على الأرض مكاناً صالحاً للحياة. 

* عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.