قبل أيامٍ شهدتُ وتحدثتُ بمناسبة إطلاق كتاب الدكتور جمال سند السويدي عن وثيقة الأخوّة الإنسانية، والتي جرى توقيعها وإعلانها بأبوظبي من جانب شيخ الأزهر وبابا الفاتيكان في 4 فبراير عام 2019، بمبادرة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان وبرعايته.

ونحن عندما نجدّد هذه الذكرى في الأيام القادمة، نتذكر أيضاً أنّ الجمعيةَ العامةَ للأمم المتحدة، وبمبادرةٍ من دولة الإمارات، أعلنت الرابع من فبراير يوماً عالمياً للأخوَّة الإنسانية.     الدكتور السويدي في كتابه الجميل ذكّرنا بالسياقات التي جرى خلالها التوصلُ إلى وثيقة الشراكة والأخوّة.

ففي العقدين الأولين من القرن الحادي والعشرين تكاثفت انشقاقات التطرف والإرهاب باسم الإسلام، وكانت أفظعها الإغارة على برجي مركز التجارة العالمي (2001)، ودويلة «داعش» بسوريا والعراق (2014-2018). وبين هذا وذاك تسبب الإرهابيون (ودائماً باسم الإسلام) في مقتل آلاف الناس في ديار المسلمين وفي العالم. فازداد مظهر الإسلام كآبةً في عيون العالَم.

وقد أدرك صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ما يحيق بديننا ودولنا الوطنية من أخطار، وتشاور مع كثيرين ومنهم شيخ الأزهر ثم بابا الفاتيكان. وكان شيخ الأزهر قد أنشأ بيتَ العائلة المصرية عام 2011 لصون الداخل المصري من نزعات التطرف والاعتداء على الكنائس والفتنة بين الناس، وبدعمٍ من دولة الإمارات أنشأ مجلس الحكماء وراح يعقد المؤتمرات ضد التطرف ولنصرة الدولة الوطنية.

ولذلك كلّه صار هناك شعورٌ عامٌ بضرورة الانفتاح على شراكاتٍ مع الجماعات الدينية الكبرى في العالم للخروج من هذا السواد المسيطر على المشهد. وأذكر أنّ مجلة «إسلامو- كريستيانا» (تصدر عن معهدٍ بالفاتيكان) نشرت عدداً خاصاً عام 2016 فيه ستة عشر تقريراً عما أصاب المسيحيين والأقليات الأخرى في المشرق. وفي العام نفسه (2016)، وانطلاقاً من أبوظبي أيضاً، أصدر العلاّمة الشيخ عبدالله بن بيه إعلان مراكش لمواجهة مشكلة الأقليات في ديار المسلمين.     إنّ هذا الإقبال من جانب المسلمين على مواجهة التطرف والإرهاب، قابلته إرادةٌ إيجابيةٌ من جانب البابا فرنسِيس الذي دأب منذ توليه كرسي البابوية عام 2013 على مطالبة المسيحيين والعالم بمقاربة المسلمين، باعتبار أنّ سلام العالَم مرتبطٌ بهم إلى حدٍ بعيد.

وبذلك فإنّ هؤلاء الثلاثة الكبار: صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان وشيخ الأزهر وبابا الفاتيكان مضوا بالعزيمة من أجل سلام العالم وأمنه ومرةً واحدةً ليس باتجاه الحوار التقليدي الإسلامي المسيحي فقط، بل وباتجاه الفكرة الأكبر: الأخوّة الإنسانية التي انفتحت عليها الوثيقةُ في فقرتها الأولى. ففي القرآن الكريم: «خلقكم من نفسٍ واحدة»، وفيه أيضاً: «ولقد كرّمنا بني آدم».  

  إنّ هذه الفكرة الاستراتيجية، والتي سارت في طريقها دولةُ الإمارات باستحداث وزارة للتسامح والتعايش، وبالمواطنة (العالمية) في التعامل مع مائتي جنسية يعيشون على أرضها ويعملون، تمضي باتجاه المزيد من التأثير في أوساط المجتمع المدني العالمي، ويتجه لتبينّيها العديدُ من الفلاسفة والمفكرين المعاصرين. وتتبين أهميتُها كل يوم بسبب الحروب المستعرة، والاختلال البيئي، والأوبئة المنتشرة، والفقر الهائل.. وكل ذلك يشير إلى أنه لا بد من حلولٍ شاملةٍ للمشكلات العالمية، تستند إلى الأصل الإنساني الأصيل: الأخوّة الكاملة التي تستحيل معها التفرقة أو التمييز أو الاستئثار.  

  يوم الأخوّة العالمية في 4 فبراير من كل عام هو مَعْلَمٌ يستحق منا الانتباه والاعتبار، من أجل صنع الجديد والمتقدم في أوطاننا وديننا وثقافتنا وأخلاقنا. لقد شقّ الكبار الطريق الصعب وينبغي الاستمرار في السير فيه.

*أستاذ الدراسات الإسلامية -جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية