قبل عشرين عاما من هذا الشهر، كانت الولايات المتحدة تندفع دون أن تسند إلى شيء- نحو الحرب في العراق - وهي واحدة من أبرز الأعمال العبثية في التاريخ الأميركي الحديث. وإليكم كيف حاولت أنا وعضو في الكونجرس وفشلنا في تسجيل معارضة الحزب «الديمقراطي» علنا لهذه الحرب.

فبعد 11 سبتمبر، بدأ «المحافظون الجدد» حملتهم لغزو العراق. وتضمنت حججهم ما يلي: أن صدام حسين كان على صلة بإرهابيي الحادي عشر من سبتمبر؛ وأن العراق لديه مخزون من الأسلحة الكيماوية والبيولوجية وكان يشتري سرا مكونات لصنع قنبلة نووية؛ وأن الولايات المتحدة تعرضت للهجوم لأن أعداءنا رأونا ضعفاء، ولإظهار قوتنا وشدة بأسنا يتعين علينا تحقيق نصر حاسم في مكان ما (في أي مكان)؛ وأن النصر الكامل في العراق سيكون سريعا وسهلا ويتطلب عددا قليلاً من القوات ويرحب به الشعب العراقي وينتج عنه إقامة ديمقراطية مستقرة صديقة.

لم يتصد أحد لهذا الاختلاق الصريح أو على الأقل، للأمور التي تتطلب جدلاً حيوياً. وكانت وسائل الإعلام من التيار الرئيسي تقوم إلى حد كبير بترجيع صوت «صقور الحرب»، وكان معظم السياسيين البارزين لا يجرؤون على إعلان انتقادهم.

وقبل اجتماع اللجنة الوطنية للحزب «الديمقراطي» في فبراير 2003، قدمت مع النائب جيسي جاكسون الابن قراراً لتشجيع النقاش حول الحرب الوشيكة. واستخدمنا لغة معتدلة ومحترمة مطالبين حزبنا بأن يحث إدارة بوش «على مواصلة الجهود الدبلوماسية لتحقيق نزع سلاح العراق، وتوضح للشعب الأميركي والكونجرس الأهداف والكلفة والنتائج وشروط وطول أمد الالتزام في أي مشاركة أو عمل أميركي في العراق، ومواصلة العمل في سياق والحصول على الدعم الكامل من الأمم المتحدة في أي جهد لحل الأزمة الحالية في العراق».

وأشارت استطلاعات الرأي أن غالبية الأميركيين وأغلبية ساحقة من «الديمقراطيين» أيدوا هذه المواقف. وكنا نعلم أنه إذا تقاعس «الديمقراطيون» عن تحدي الاندفاع إلى الحرب، فلن نخاطر فقط بفقدان دعم الناخبين، لكن أيضا نتهرب من مسؤوليتنا لتجنب حرب من شأنها أن تكون مدمرة لبلدنا ومنطقة الشرق الأوسط. وفي اجتماع المجلس الوطني «الديمقراطي»، ضغط قادة الحزب علي بشدة كي أسحب القرار.

وجادلوا بأننا بحاجة إلى الإذعان لمرشحي الرئاسة «الديمقراطيين». ولم يعارض الحرب بشدة إلا مرشح رئيسي واحد، هو هوارد دين، وزعموا أن مثل هذا القرار يعني دعم ترشيحه. ومن وجهة نظرهم، كانت معارضة الحرب ستظهر الحزب بمظهر الضعف في الدفاع الوطني.

ورفضت سحب القرار وأصررت على حقي في عرضه وإجراء الجدل. وفي ملاحظاتي أمام اللجنة، حذرت من أنه من غير المعقول أن نرسل الشباب والشابات إلى الحرب في بلد لم نفهم تاريخه وثقافته وتكوينه الاجتماعي. وأشرت إلى أن حسابات الإدارة الخاطئة بشأن العراق تهدد ببدء «حرب بلا نهاية» وأن خوض الحرب دون تفويض من الأمم المتحدة يهدد شرعية الولايات المتحدة.

وختمت بالإشارة إلى أن «طرح الأسئلة الصحيحة والمطالبة بإجابات وكسب الحلفاء لقضيتنا ليس ضعفا في الدفاع. إنه يمثل التحلي بالذكاء في الدفاع». وبعد العرض الذي قدمته، قرر الرئيس أنه لن يكون هناك تصويت وأن القرار مات دون مناقشة أو مناقشة. وبعد عشرين عاماً، لا أشعر بالرضا حين أقول إننا كنا على حق في معارضة تلك الحرب الكارثية. فقد قتل آلاف الأميركيين ومئات الآلاف من العراقيين. وتحطمت حياة عدد لا يحصى من الآخرين بسبب عواقب الحرب.

وقال «المحافظون الجدد» للكونجرس إن الحرب ستكلف ملياري دولار، لكن ثمنها بلغ تريليونات الدولارات وما زال هذا الثمن يتزايد. وبدلاً من إخماد التطرف، غذته الحرب، وأخذ أشكال أكثر ضراوة من أي وقت مضى.

وخرجت أميركا من الحرب أضعف، في حين برزت إيران أكثر جرأة في اتباع سلوكها التدخلي في المنطقة الأوسع. وإجازة قرارنا ما كان له أن يوقف مسيرة إدارة بوش نحو الحرب. لكن تسجيل معارضة «الديمقراطيين» علناً على الأقل، كان من الممكن أن يقوي من عزيمة أعضاء الكونجرس على التحدث بقوة أكبر والتعبير عن معارضتهم. هذه هي الطريقة التي من المفترض أن تعمل بها الديمقراطية. وعندما لا يحدث ذلك، ندفع جميعا ثمنا باهظا.

رئيس المعهد الأميركي العربي- واشنطن