في وقت تتعالى فيه الأصوات، وحتى في أوساط النشطاء البيئيّين، للاستعانة بالطاقة النووية في توليد الكهرباء بدلاً من الوقود الأحفوري، فإن قرار حكومة دولة الإمارات بالاعتماد على الطاقة النووية وجعلها مكوناً رئيسيّاً في مساعي الانتقال الأخضر يؤكد بصيرةَ وحكمة قيادتنا الرشيدة التي رأت مبكراً في الطاقة النووية حلّاً فاعلاً يجمع بين تلبية الاحتياجات المتزايدة للتنمية الاقتصادية، ومتطلّبات الحد من البصمة الكربونية.
وتعدّ الطاقة النووية -على مستوى العالم- ثاني أكبر مصدر للكهرباء المنخفضة الكربون، بعد الطاقة الكهرومائية، وتسهم بنسبة 10% من كهرباء العالَم، مقابل ثلثين للموارد الأحفورية. ونظراً لقدراتها على توليد الطاقة من دون انقطاع لعقود من الزمن، فإن محطات الطاقة النووية توفر إمداداً مستمراً وموثوقاً به للطاقة، على عكس مصادر الطاقة المتجدّدة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وتتيح مرونة أكبر لتلبية التقلّبات في الطلب على الطاقة وتوفير الاستقرار لشبكات الكهرباء، لذا، فقد بدأ يُشار إليها بعد أزمة الطاقة العالمية الناجمة عن الحرب في أوكرانيا، وتزايد التعهدات الدولية لاحتواء مشكلة الاحتباس الحراري، على أنها مصدر خلاصٍ للعالَم.
وتمثّل محطة براكة للطاقة النووية، بمفاعلاتها الأربعة، أكثر المشاريع تأثيراً في «المبادرة الاستراتيجية لتحقيق الحياد الكربوني 2050» التي أعلنتها الإمارات عام 2021، إذ ستوفر هذه المحطة، عند تشغيل كامل مفاعلاتها، ما يعادل 25% من احتياجات الدولة من الكهرباء، وستوفر أيضاً أكثر من 21 مليون طنّ سنوياً من الانبعاثات الضارة بالبيئة، أو ما يساوي الانبعاثات الصادرة عن 3.2 مليون سيارة.
كما ستسهم هذه المحطة في تلبية الطلب المتنامي على الكهرباء الناجم عن التوسع الاقتصادي والديموغرافي الذي تشهده الإمارات، وستمهّد الطريق لتطوير مصادر أخرى من مصادر الطاقة الخضراء مثل الهيدروجين النظيف، وستدعم الابتكار في مجالَي الطب والزراعة، فضلاً عن دعم رحلات استكشاف الفضاء البعيد. 
وعلاوة على تبنّي أعلى معايير السلامة والتشغيل، فإن محطة براكة تستخدم أحدث وأكفأ أنواع المفاعلات على مستوى العالم، حيث يتميز المفاعل الكوري «APR1400» المستخدَم في هذه المحطة بقدرة توليد تفوق أقرانه بنسبة 40%، كما يبلغ عمره الافتراضي 60 عاماً مقارنة بمتوسط 40 عاماً لدى المفاعلات الأخرى، ولديه قدرة أكبر على مقاومة الكوارث الطبيعية، مثل الزلازل والفيضانات والحرائق.
إن إنشاء محطة براكة للطاقة النووية السلمية يُثبت سداد الرأي الذي لم يركن إلى الجاهز والرخيص من مصادر الطاقة التقليدية المتوافرة بكثرة في هذا البلد المبارك، بل أراد الحفاظ على المكتسبات التي حقّقتها الدولة لسنين طويلة، والبناء عليها بصنع مستقبل أنظف وأكثر اعتماداً على المقدرات الوطنية الإماراتية، وترسيخ مبدأ الاستدامة الذي تنهجه الإمارات في كل القطاعات.

عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية