تستهلك الجيوش كميات هائلة من الوقود الأحفوري مما يساهم بشكل مباشر في الاحتباس الحراري، ولو كان الجيش الأميركي دولةً على سبيل المثال، لكانت الدولة رقم 47 من حيث إجمالي الانبعاثات في جميع أنحاء العالم، كما أن القصف وأساليب الحرب الحديثة الأخرى تضرّ بشكل مباشر بالحياة البرية والتنوع البيولوجي، وتمثّل جيوش العالم ما يقدّر بنحو 6% من جميع انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، والعديد من الحكومات لا تقدم بيانات عن الانبعاثات من الأنشطة العسكرية وفقاً لصحيفة «الغارديان»، وتستهلك وزارات الدفاع في الدول الكبرى النصيب الأكبر من الوقود الأحفوري مقارنةً مع الوزارات والجهات الحكومية الأخرى، والدول التي لديها جيوش ضخمة مثل الصين وروسيا والهند وغيرها من الدول لا تعلن إجمالي انبعاثاتها، وحتى في أوقات السلم، فإن النشاط العسكري والتصنيع من مصادر التلوث البيئي المؤكدة، حيث تحتل جيوش العالم حوالي 1- 6% من مجموع الأراضي «المصدر: CEOBS»، وطبعاً هي أماكن محظورة ولا يسمح للجهات المدنية بتفتيشها، وما يحدث بها يبقى سراً عسكرياً.
أوروبا ودول الشمال العالمي كالولايات المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزيلندا وإسرائيل واليابان مسؤولة عن 92% من إجمالي الانبعاثات التي تسبب انهيار المناخ، ولذلك فالسؤال: كيف تساهم الحرب الروسية - الأوكرانية في تغيّر المناخ؟ والذي يقود حملته حلف الناتو يبدو سؤالاً مسيّساً، ولكنه حتماً سؤال مهم من الناحية البحثية، ومحاولة الوصول لحقيقة علمية عما تتركه الحروب أو تتسبب فيه من ضرر لكل مكونات البيئة، وعادةً ما تكون الانبعاثات أثناء النزاعات دالة على كيفية ومكان خوض النزاعات، فضلاً عن حدتها، في حين أن الانبعاثات المباشرة يمكن أن تكون واضحة، فإننا غالباً ما نحتاج إلى البحث بشكل أعمق لفك التأثير غير المباشر للصراعات على الانبعاثات، وأما الانبعاثات المباشرة غالباً ما تكون البنية التحتية لإنتاج الطاقة والنفط والغاز أو التخزين أو النقل هدفاً للقتال، كما كان الحال في كولومبيا وليبيا وسوريا والعراق وحالياً الصراع الأوكراني – الروسي، وهو ما يولّد الحرائق والتسربات الكبرى للمواد الملوثة الخطيرة والانبعاثات السامة، خاصةً عندما يتم استهداف البنية التحتية الحيوية كنشاط جوهري لإيقاع الهزيمة خلف ساحات المعارك بالعدو الذي يقطن على بعد آلاف الأميال.
ومن الشواهد على ذلك، هو ما حدث في حرائق النفط في حرب الخليج عام 1991، حيث ساهمت بأكثر من 2% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من الوقود الأحفوري العالمي في ذلك العام، كما يمكن أن يكون الغطاء النباتي أيضاً هدفاً للحرب، حيث يتم إطلاق الكربون الذي يخزنه عند إزالته، وكان الاستخدام التاريخي لمواد إزالة الأوراق الكيميائية والتطهير الميكانيكي في فيتنام وكمبوديا ولاوس هدفاً عسكرياً مع فقدان ما بين 14-44% من غابات فيتنام.
فحرق الغابات قد يشكل ضرورةً عسكرية للمساعدة في حرب الطائرات من دون طيار كما حدث في الغابات بناغورنو كاراباخ، ولهذا كلما طال الصراع الروسي - الأوكراني زادت احتمالية الأثر طويل الأمد الذي ستتركه تلك الحرب على البيئة خلف بقعة الصراع وصولاً لقارات أخرى مع وجود خطر التلوث النووي. وبعض الدول التي تتعرض لهجوم خارجي لديها أجندات خاصة لإدانة الجهة المعتدية، ومحاولة توثيق مئات الجرائم البيئية التي يجادلون بأنها تبرّر توجيه تهم الإبادة البيئية من قبل المحاكم الدولية للجهة المهاجمة، وتشمل هذه الجرائم الهجمات على المنشآت الصناعية التي تلوث إمدادات المياه الجوفية والممرات الهوائية، وشل مصادر الكهرباء والاتصالات والتصنيع على مختلف أنواعه ومرافق التصدير والاستيراد والمخازن المختلفة والقصف المتعمد للمفاعل النووية ولملاجئ الحياة البرية، وحرق الأراضي الزراعية وغيرها من النظم البيئية المهمة، ولذلك فمع كل يوم حرب إضافي تتضاءل قدرة أوكرانيا على استعادة مجتمعها النابض بالحياة وبيئتها، وتتقلّص قدرتها على الانتقال إلى اقتصاد يستبعد الوقود الأحفوري.
*كاتب وباحث إماراتي في شؤون التعايش السلمي وحوار الثقافات