قبل أيام أبلغت وزيرة المالية (الخزانة) الأميركية الكونجرس أن الوزارة بدأت في استخدام إجراءات غير عادية لإدارة النقد لمواصلة الاقتراض بموجب حد الدين الفيدرالي بعد أن تصل الولايات المتحدة إلى حد ديونها البالغ 31.4 تريليون دولار وهي الدولة الصناعية الكبرى الوحيدة التي لديها سقف ديون.

وتتضمن تلك الإجراءات تعليق إصدار الديون وإيقاف الاستثمارات في صندوق التقاعد، ومن المتوقع أن تستمر حتى الخامس من شهر يونيو القادم لمنح مجلس النواب الأميركي الفرصة للمناقشات والاتفاق على رفع سقف الدين والسماح لوزارة الخزانة باقتراض أموال إضافية.

ويُجنب ذلك الإجراء البرلماني تخلف الولايات المتحدة عن سداد ديونها وبالتالي تخفيض تصنيفها الائتماني من قبل مجموعات التصنيف الائتماني، وما يتبع ذلك من تأثيرات سلبية على الاقتصاد الأميركي والأسواق المالية الدولية. وسقف الدين في الولايات المتحدة الأميركية هو الحد الأقصى للمبلغ الذي يمكن للحكومة الفيدرالية اقتراضه للوفاء بالتزاماتها القانونية الحالية. وقد برز ذلك الإجراء رسمياً للمرة الأولى في عام 1917 بوساطة الكونجرس، ومن الملاحظ أنه خلال القرن العشرين فقط رفعت الولايات المتحدة سقف ديونها 90 مرة على الأقل، حيث لم يتم تخفيضه مطلقاً.

وعلى سبيل المثال، رفع قانون الدين العام لعام 1941 الحد الإجمالي للديون على جميع الالتزامات إلى 65 مليار دولار، بينما رفعت قوانين 1942 و1943 و1944 و1945 الحد إلى 125 مليار دولار و210 مليارات دولار و260 مليار دولار و300 مليار دولار على التوالي. واستمر ذلك النهج حتى بلغ حالياً 31.4 تريليون دولار، وذلك بصرف النظر عن الحزب الذي يقود البيت الأبيض. ولكن من المفارقات أن الحزب «الجمهوري» هو صاحب أعلى مرات رفع سقف الدين، وأبرزها ما حدث أثناء فترة الرئيس السابق رونالد ريجان؛ إذ تم رفع سقف الدين 18 مرة خلال ثماني سنوات.

ونظراً لسيطرة الحزب «الجمهوري» حالياً على مجلس النواب في ظل إدارة «ديمقراطية» تسيطر على مجلس الشيوخ، فإنه ليس من المتوقع أن يتوافق الحزبان في المجلسين سريعاً وبسلاسة على تشريع يسمح بزيادة سقف الدين. وبالتالي قد يعاني الأميركيون قريباً من تعثر طويل الأمد قدرت مؤسسة «مودي للتحليلات» بأنه قد يؤدي إلى انخفاض بنسبة 4 في المائة في الناتج المحلي الإجمالي، و9 في المائة من البطالة، وخسارة قدرها 15 تريليون دولار في ثروة الأسرة الأميركية. أضف إلى ذلك احتمال تباطؤ نمو الاقتصاد بعد عامين من التضخم المرتفع وقيام مجلس الاحتياطي الفيدرالي برفع أسعار الفائدة، وعجز الحكومة الفيدرالية عن تمويل البرامج التي يعتمد عليها الملايين من الأميركيين في الغذاء والرعاية الصحية والضروريات الأساسية.

وهناك أيضاً عوامل خارجية تؤثر على الاقتصاد الأميركي، وأبرزها الأزمة الروسية – الأوكرانية التي أنفقت بسببها الإدارة الأميركية حتى الآن 27.5 مليار دولار كمساعدات لأوكرانيا، بجانب تعطل سلاسل التوريد العالمية، وارتفاع تكاليف النفط والطاقة. والمحصلة أن الاقتصاد الأميركي يواجه مجموعة من المخاطر سوف يكون لها بلا شك تأثير على الاقتصاد العالمي، ولكن التساؤل هو: هل من الممكن أن يكون الاقتصاد السبب الرئيس لانهيار سيطرة القطب الأوحد حالياً على العالم ونشوء مسرح عالمي جديد متعدد الأقطاب اقتصادياً؟

*باحث إماراتي