نظراً لأننا تخلينا عن فكرة أن التضخم المرتفع سيكون مؤقتاً، فقد كان الأمل في أن نتمكن من إدارة «هبوط ناعم»: سيتراجع التضخم مرة أخرى إلى 2% دون إلحاق ضرر كبير بسوق العمل أو النمو الاقتصادي. هذا ما كان «الاحتياطي الفيدرالي» يتوقعه منذ شهور، حتى مع تحذير الاقتصاديين من أنه غير مرجح للغاية.

الآن يبدو أن «الهبوط الناعم» هو احتمال حقيقي. فالتضخم آخذ في الانخفاض، وسوق العمل لا يزال قوياً مع بلوغ البطالة أدنى مستوى لها منذ 50 عاماً ونمو الأجور بنسبة 4.6%. إذا استمرت هذه الاتجاهات، فإن «التضخم الخالص» الذي توقعه بنك الاحتياطي الفيدرالي سوف يصبح حقيقة واقعة. لكن لا يجب أن نبتهج لذلك لأن هذا لن يعني أننا نجونا بأعجوبة. ومن الواضح أن الهبوط الناعم سيكون أفضل من الهبوط الحاد.

فالهبوط الحاد يعني أن الكثير من الناس سيفقدون وظائفهم، ومن ثم سيؤدي سوق العمل الرهيب إلى خفض التضخم. بعض الجوانب الأكثر تشجيعاً حول سوق العمل اليوم هي أن البطالة منخفضة جداً بين الأشخاص الحاصلين على تعليم ثانوي أو أقل، وأن الكثير من نمو الوظائف يحدث في الشركات الصغيرة. في فترات الركود، هذه هي الفئات الأكثر تضرراً.

ومع ذلك، فإن سوق العمل ليس جيداً كما يبدو. قد يبدو نمو الأجور الاسمي مرتفعاً، لكن بعد حساب التضخم، ما تزال العديد من الأسر، وخاصة ذات الدخل المنخفض، تزداد فقراً. كان الكثيرون في وضع أفضل عندما كانت الزيادات الاسمية في الأجور أقل، لكن التضخم كان كذلك أيضاً. تكمن مشكلة الهبوط الناعم في أنه سيطيل دورةَ التضخم هذه.

وهذا يعني المزيد من الأشهر (أو السنوات)، حيث لن تواكب الأجورُ ارتفاعَ الأسعار، مما يدفع بعضَ الأسر إلى المزيد من الديون. أحد الأسباب التي تجعل بعض الناس متفائلين بأن الركود سيكون معتدلاً هو أن الميزانيات العمومية للأسر كانت في حالة جيدة بعد أن خرجت من الوباء. لكن كلما طال أمد عبء التضخم، زاد عدد الأسر التي تحرق مدخراتِها. وهناك بالفعل دليل على أنهم يقومون بمراكمة ديون البطاقات الائتمانية.

ومن ناحية أخرى، فإن الهبوط الناعمَ الذي طال أمدُه يعني أيضاً ارتفاعَ أسعار الفائدة لفترة أطول، مما قد يزعزع استقرارَ النظام المالي أو يطرح مشاكلَ للشركات التي أصبحت تعتمد على الديون الرخيصة. وسيكون هذا السيناريو أيضاً أكثر صعوبة على الشركات الصغيرة لأن لديها قدرة أقل على زيادة الأسعار وإمكانية أقل للحصول على الائتمان. وهناك خطر آخر مع الهبوط الناعم هو أن الدورة ستكون غير مكتملة. قد يتحسن التضخم، لكنه سيتوقف بعد ذلك حول 4% أو 5% بينما يظل سوق العمل في وضع جيد. عند هذه النقطة سيجد الاحتياطي الفيدرالي نفسَه أمام خيار صعب.

إلحاق ضرر حقيقي بإعادة التضخم إلى 2% في وقت يكون فيه الاقتصاد في وضع أكثر هشاشة. أو، وهي النتيجة الأكثر احتمالية، أن يتعلم الاحتياطي الفيدرالي التعايشَ مع ارتفاع التضخم ويحقق الفوز. لكن العيش مع «تضخم معتدل» ينطوي هو أيضاً على تكاليف مرتفعة.. وهو يظهر أن «الاحتياطي الفيدرالي» لا يستطيع تحقيق هدفه، وأنه يفقد المزيدَ من مصداقيته. إنه بحاجة إلى تلك المصداقية حتى يكون له تأثير على الاقتصاد في المستقبل (بما في ذلك تعزيز الاقتصاد في فترة الانكماش التالية). أما التضخم فوق الهدف، فهو يعني أيضاً ارتفاع أسعار الفائدة في المستقبل المنظور لأن مشتري السندات سيحتاجون إلى عائد أكبر للتعويض عن المزيد من مخاطر التضخم.

ستُترجم المعدلات الأعلى على المدى الطويل إلى معدلات رهن عقاري أعلى وصدمة سيئة لكل من الأسواق المحلية والأجنبية. ومع ذلك، إذا استمر سيناريو الهبوط الناعم، فمن المحتمل أن يتدهور الاقتصاد دون الكثير من الضرر طالما أنه لا يعاني هزة كبيرة أخرى. وهذا احتمال كبير. فالاقتصاد العالمي غير مؤكد أكثر بكثير مما كان عليه قبل الوباء. بعض مصادر القلق هي:

- الخلل الوظيفي السياسي: سيكون الكونجرس المنقسم ورئيس مجلس النواب الجديد أقلَّ قدرةً على إقرار الميزانيات وخفض الإنفاق حسب الحاجة. إن مخاطر التخلف عن سداد الديون منخفضة بالفعل، لكن الفوضى في واشنطن تضيف حالةً من عدم اليقين إلى الاقتصاد الأميركي ويمكن أن تؤدي إلى أسعار فائدة أعلى وضعف الدولار.

- المزيد من المرض: انتهت جائحة «كوفيد-19» إلى حد كبير، لكنك لا تعرف أبداً ما يمكن أن يظهر من حيث متحورات أو فيروسات جديدة. -

المخاطر السياسية في الخارج: يمكن أن تسوء الأمور في روسيا أو الصين. كما أن هناك احتمالات لظهور مشاكل للأسواق الناشئة، مما قد يفاقم أزمة سلاسل التوريد ويرفع مجدداً أسعار الطاقة والغذاء. هذه بعض التهديدات التي يمكننا تخيلها بسهولة. يتمثل الخطر الأكبر للهبوط الناعم في أنه يقوض قدرة الاقتصاد على الصمود أمام الصدمات المستقبلية، مما يجعل أميركا عرضةً لفترة أطول لما سيأتي بعد ذلك. قد يكون هذا أفضل من الركود السيئ على المدى القصير، لكن تعدد المخاطر يوضح سبب صعوبة إدارة التضخم المرتفع، ولماذا يمكن أن يتسبب في الكثير من الضرر لسنوات قادمة.

*كاتبة متخصصة في الشؤون الاقتصادية

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لاينسيج آند سينديكيشن»