لا يزال البابا فرنسيس متأثراً بعمق، بروحانية وثيقة الأخوة الإنسانية والتي تقترب الأسابيع المقبلة من أربعة أعوام، عندما صدرت في أبو ظبي، وأشعت على العالم مودات صافية ومحبات ضافية.
قبل نحو أسبوعين، وخلال لقاءه مع أحد وفود الشباب الزائرة لحاضرة الفاتيكان، أكد فرنسيس على ما يحتاجه العالم اليوم، من فسحات تختبر فيها الأخوة الإنسانية، ومن مصانع للسلام، تصنع فيها أدوات الحياة لا الموت.
تاريخيا اهتم الأحبار الرومانيون (البابوات)، بقضية السلام على الأرض، وإن ينس المرء، فإنه لا ينس وثيقة «السلام على الأرض) Pacem in terries، والتي صدرت في الفاتيكان في 11 إبريل عام 1963، بعد أن كادت أزمة الصواريخ الروسية في كوبا تشعل العالم حربا نووية لا تبقي ولا تذر.
ليس سرا أن فرنسيس أتخذ موقفاً واضحاً من الحرب الروسية- الأوكرانية، وقد حاول جاهداً حث البطريرك الروسي فلاديمير كيريل، لدفع الرئيس الروسي بوتين، من أجل وقف إطلاق النار، وإنهاء حالة الحرب العبثية المستمر منذ نحو عام، ووصل به الأمر حد تكليف رئيس وزراء الفاتيكان الكاردينال بيترو بارولين الذهاب إلى موسكو والإعداد للقاء على أعلى مستوى بين فرنسيس وبوتين بهدف واضح هو وضع حد للحرب.
تطرد الحرب السلام خارجاً، وتقطع الطريق حكماً على مسيرة الأخوة الإنسانية، وتفتح الباب واسعا أمام إذكاء نيران الكراهية، والنفخ في جمر الشوفينيات والقوميات، لبلوغ حالة من العنصرية الأحادية، حيث لا وجود للآخر، ولا قبول له أن وجد.
تعرف مجموعة الشباب التي التقاها فرنسيس، باسم جماعة Sermig، والتي حولت أحد مصانع الأسلحة في تورينو، إلى مكان يعرف اليوم ب«ترسانة السلام». هنا يتساءل القارئ، وله في الحق ألف حق: «وهل السلام في حاجة إلى ترسانات، وما نوعها؟».
المدهش في القصة أن موقع مصنع السلاح هذا، بات مكانا للشباب من كافة أنحاء العالم، فيه يتعلمون أصول وجذور الأخوة وقبول الآخر، عطفا على اللقاء والحوار والضيافة، وهذا يتحقق من خلال الخبرة، إذ يتعلم الشباب في هذا المركز كل تلك القيم.
يصف بابا الفاتيكان المشهد بأنه الطريق الواجب إتباعها، لأن العالم يتغير بقدر ما نحن نتغير، مضيفاً أنه في وقت يُجبرُ فيه أسياد الحرب العديد من الشبان على القتال ضد إخوانهم وأخواتهم، فإن هناك حاجة ماسة لاختبار فسحات الأخوة.
من وثيقة الأخوة الإنسانية التي رأت النور في أبوظبي، في فبراير 2019، انطلقت رسالة فرنسيس الأخوة الشهيرة «كلنا أخوة» Fratelli Tutti، هو الحلم الذي أراد أن يطلقه في العالم، وأن يتقاسمه الشباب، ويضحى جزءا من حياتهم وواقعهم، ومن عيشهم على كوكب الأرض.
لم يشجع فرنسيس فقط هذه الجماعة على بناء ترسانة السلام، بل فتح الباب واسعا لأن تبقى هذه الورشة على حد تعبيره، طريقا عالمياً لتغيير وجه العالم من الخصام إلى الوئام، ومن عند الفراق ومرارته، إلى فرحة اللقاء وحلاوته.
فسحات الأخوة وترسانة السلام شعلة مضيئة، يحتاج العالم إلى انتشارها في زمن الحروب، التي لا تبدو لها نهاية قريبة.
* كاتب مصري