بدأ الأردن تنفيذ موازنته المالية بعجز قدر بنحو 1862 مليون دينار(2.6 مليار دولار) نتيجةَ زيادة النفقات إلى 11432 مليون دينار، مقابل 9569 مليوناً للإيرادات. لكن الموازنةَ حملت سلسلةَ مؤشرات إيجابية في مواجهة التداعيات السلبية لتطورات الحرب الروسية الأوكرانية، والتي أثَّرت بشكل سلبي كبير، وبخاصة على الدول النامية. ورغم تراجع أداء الاقتصاد العالمي من 6% عام 2021 إلى 3.2% العام الماضي، فإن نمو الاقتصاد الأردني يقدَّر بنحو 2.7% لعامي 2022-2023 مقابل 2.4% لعام 2021-2022. وقد تمكنت الحكومة من خفض العجز الأولي بنسبة 40% خلال ثلاث سنوات (من5.6% عام2020 إلى 2.9% عام 2023). وانخفضت نسبة الدَّين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي من 91.9% إلى 88.2%. 
ولعل المؤشر الأهم للتأكيد على قدرة الاقتصاد الأردني للحفاظ على الاستقرار المالي والنقدي، يكمن في التضخم بمعدل مقبول بلغ 4.2% ويتوقع أن ينخفض إلى 3.8% العام الحالي، وهو من أقل المعدلات عالمياً، بينما تجاوز8% في معظم دول العالم. ويعتبر التضخم العامل الاقتصادي الأكثر اتصالا بحياة المواطنين والأوسع تأثيراً في كلفة المعيشة. كذلك برزت أهميةُ احتياطي البنك المركزي البالغ 17.3 مليار دولار، وهو احتياطي يعكس قوة الدينار ويغطي 7.5 أشهر من مستوردات المملكة.
وبما أن الأردن يقع في منطقة «عالية المخاطر»، فقد تحمّل الكثيرَ من التداعيات الناجمة عن الاضطرابات السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية، لكنه تمكن بكل مرونة من تجاوز بعض النتائج السلبية، بفضل عوامل عدة، أهمها المساعدات الخارجية الاستثنائية التي تلقاها من الدول الشقيقة والصديقة، لاسيما بعدما أصبح (وفق وزارة التخطيط والتعاون الدولي) مؤهلا للحصول على مساعدات تنموية رسمية من مختلف الدول والجهات المانحة ومؤسسات التمويل والمنظمات، وذلك تقديراً من المجتمع الدولي للدور الكبير الذي يلعبه في استقرار المنطقة. فضلا عن التقدير العالمي للنموذج الأردني في التعامل مع اللاجئين.
وفي ظل هذه المؤشرات الإيجابية زاد تدفق الاستثمارات الأجنبية إلى الأردن، وارتفع حجم صافي الاستثمار المباشر خلال 9 أشهر من العام الماضي بنسبة 94%، مقارنةً مع الفترة ذاتها من عام 2021، ليبلغ 629 مليون دينار. وهذا ما يؤكد تنافسيةَ الاقتصاد الأردني وجاذبيتَه للاستثمار، وهو انعكاس مباشر لاستقراره المالي والنقدي، والذي كان الدافع لموافقة صندوق النقد الدولي في نوفمبر الماضي على إتمام «المراجعة الخامسة»، ليصل حجم التسهيل الائتماني المقدم للأردن حتى عام 2024 إلى ملياري دولار.
وفي هذا السياق، تبرز أهميةُ مذكرة التفاهم الموقعة في سبتمبر الماضي، والتي تلتزم بموجبها الولاياتُ المتحدة بتقديم مساعدات للأردن بقيمة 10.15 مليار دولار خلال سبع سنوات(2023-2029) بمعدل 1.45 مليار دولار سنوياً. وهي الأطول (زمنياً) والأضخم (قيمة) حتى الآن. ولعلها تعكس الأهميةَ التي توليها واشنطن للعلاقة الاستراتيجية بين البلدين، والتي وصفتها الوكالةُ الأميركيةُ للتنمية بالقول إنها تمثّل «أرضيةً لمواجهة التحديات الإقليمية والدولية».
أما بالنسبة للدعم الخليجي، فهو مستمر بأشكال عدة، ويذكر أن مخصصات المنح التي قدمت للأردن منذ عام 2012 بقيمة 3.67 مليار دولار قد اكتملت، وآخر دفعة لمخصصات المساعدات والمنح المقدمة من ثلاث دول (السعودية والإمارات والكويت)، وفق إعلان مكة في يونيو 2018، تكتمل العام الحالي، وتبلغ قيمتها 2.3 مليار دولار، وهي تشمل منحاً بنحو 500 مليون دولار، وودائع بقيمة 1.16 مليار دولار لدعم البنك المركزي، و700مليون دولار تمويل ميسّر للمشاريع التنموية. وفي ضوء التطورات المرتقبة، يبقى الرهان على استقرار إقليمي، إذ أن الأردن قادر على استثمار «فائض الثقة» به، كونه وجهة آمنة ومستقرة لاستقبال الاستثمارات، لاسيما لتمويل المشاريع المشتركة بين القطاعين العام والخاص.

*كاتب لبناني متخصص في الشؤون الاقتصادية