عند مواجهة التحديات، نجد مَن يقف على الأطلال ليلقي رثاءً فقط، بينما يسعى غيرُه ليزيح الغبارَ ويعيد التشييد والبناء.. فإلى أي اتجاه تتم حالياً إدارةُ دفة العالم وهو في زمن مختلف عن كل ما سبق؟
لقد أصبح قاطبةً، كأفراد ودول ومجتمعات، تواقاً لنزع رداء الانغلاق، والانضمام لكوكبة الوجود الإنساني المتعايش والمتراحم، وليس أولى بذلك من الدول الأكبر سكانياً، لما تحتضنه من تنوع يكاد يكون صورةً مصغَّرة للعالم، ومن ذلك ما يعكسه الواقع المعاش في جمهورية الصين الشعبية التي بدأت خطوات جادة في تقريب الإنسان للإنسان، وتجاوز أي عراقيل فكرية أو ثقافية أو دينية أو اقتصادية تحول دون ذلك. وإذ وضعت الصين نصب عينيها التخلصَ تماماً من ظاهرة «الفقر» ضمن استراتيجية وطنية منذ عام 2012، فقد استطاعت تحقيق ذلك بحلول عام 2021 بإنقاذها ملايين الأفراد من الفقر، وتشييدها ما يتجاوز أربعة آلاف قرية ببنية جديدة ورؤية تعليمية وتأهيلية مهنية داعمة. ولذلك فالصين قادرة على تجاوز التحديات الأخرى، في ظل تطلعاتها الجديدة للانفتاح على تجارب «تعايش» ناجحة في احتضانها للتنوع الإنساني
يسجل التاريخ الإنساني وجود مشاكل ونقاط تخاصم بين المجتمعات البشرية، لكن ذلك لم يمنع البتةَ من البحث عن الفرص الممكنة لتحقيق مصالح الكل تحت مظلة «الأُخُوّة الإنسانية». 

وفي إقليم شنغهاي الصيني الذي يمتاز بالازدهار والرخاء والاستقرار، يعيش أكثر من خمسين قومية، بتعدد ثقافي وديني من مسلمين وبوذيين ومسيحيين، كما يظهر اهتمام وتوجه جاد بـ«الإدارة الذكية» لذلك التنوع الذي يعبّر عن تعانق الحضارات اليونانية والإغريقية والإسلامية والأوروبية.. كاستجابة للتحولات الجديدة وكاحترام لأصالة تاريخية ممتدة عبر التاريخ الطويل لطريق الحرير. والآن ها هي جمهوريةُ الصين الشعبية تجدد عزمَها على صون تلك الثروة الثقافية والحضارية والإنسانية متغلِّبةً على الصعوبات التي واجهتها المنطقةُ، وبخاصة محاولات استغلال التنوع فيها، عبر التحريض العنصري ومحاولة نشر التطرف الذي يغذي نزعةَ الانفصال عن الدولة الوطنية ويخلق بيئة جذابة لحركات الإرهاب وبث الرعب الهادف لضرب معابر خط طريق الحرير الذي تعود خيراته على كل دول الممر.
وقد تجاوزت الجهود الحكومية الصينية المحاولات كافة الرامية لضرب الوحدة الوطنية للبلاد، وافتعال النزاع في المجال العرقي، كما وعت الجهات الفاعلة في الصين مساعي جماعات التطرف والكراهية لاستعمال «ميزة التعددية» كسلاح أيديولوجي وتوظيفه سياسياً لتهديد الدولة الصينية، حيث عملت الحكومة على دفع سائر قوى النهوض والتطور لإحداث نجاحات لا سابق لها في مجال التنمية الاقتصادية وإنشاء المشاريع الاجتماعية ومحاربة الفقر والجهل، وتكثيف جهود التوعية الوطنية، كما عملت على نشر الوعي الديني الصحيح بتأسيس المعهد العالي للعلوم الإسلامية، وتخريج أئمة ورجال دين معتدلين لتحقيق الأمن الروحي لأبناء الطائفة المسلمة. 
إن العالَم تغير وتطور، وتبدلت فيه الكثير من موازين القوة، فبرزت قوى جديدة ينبغي إيلاؤها ما تستحق من صدارة على سلم الصعود العالمي، إذ ليس هناك أي معنى لاستمرارية نسخ مفاهيم حقوق الإنسان، واجتزائها وتجاوز خصوصيات بعض الثقافات والشعوب. فلا مجال في واقع الإنسان اليوم لأحادية التوجه والفهم، أو مقابلة الآخر بـ «اللامبالاة» والتهميش.
إن خطاب الواقع لا يستثني أوروبياً ولا أفريقياً ولا آسيوياً.. ولا يمكنه تخطي وجود كينونة الإنسان وكرامة الأفراد. وهي حقيقة نرى ترجمتها في القوانين والتشريعات التي برزت في القانون الصيني، بضمان حق القوميات في ممارساتها لشعائرها التعبدية. ولأن «الخبر ليس كالعيان»، فقد لوحظ من الزيارات الميدانية كافة ملامح الاحترام والتأهيل والتمكين والتسامح الديني، في ظل الاهتمام بالإطار الوطني الذي يجمع كلَّ الأعراق والأجناس والديانات والثقافات، بما يجعلها تكمّل بعضَها البعض، فيصبح الاختلاف قوةً دافعة للاستقرار والتواصل بين القوميات.
لقد أثبتت الحضارة الإنسانية أنها قادرة على عيش مختلف التجارب وفقاً لطبيعتها في الحركة والتحول، وذلك في ظل مجموعة من التحولات التي تعمل على انسيابية ذلك الاستمرار أو الإضافة عليه وتغيير بعض ملامحه. ومن المعلوم أن أهم ما تسعى له الحضارةُ الإنسانيةُ الحديثةُ هو التنقيب عن «كنز المشترك الإنساني»، عبر تجاوز نقاط الضعف في التجارب السابقة، لاسيما وأن «المأمول الجديد» يمثل إجابةً صريحةً بعد كل ما واجه الإنسانَ من صعوبات وتحديات، فالحل دائماً يكمن في «العودة إلى الإنسانية».
وبالتركيز على «المجتمعات المسلمة» حول العالم، فهي أحوج ما تكون لمد جسور التواصل مع العالم الإسلامي، ولاستدامة العلاقات مع المؤسسات القائمة على نشر قيم التسامح والتفاهم، وهذا ما قدمته زيارة وفد المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة برئاسة الدكتور علي النعيمي للصين، وبالتحديد إقليم شينجيانغ الذي يقطن فيه مسلمو الإيغور، إذ تحصّل لديها يقين بأن الإرادة الإنسانية لا بد من اتباعها بخطوات عملية فاعلة خارجة عن التنظير وحسب. واحتراماً لأول بنود ديباجة الميثاق العالمي للمجتمعات المسلمة في الدول غير الإسلامية، والتي جاء فيها: «إذ نأخذ في الاعتبار أنّ الدول غير الإسلامية التي يعيش فيها المسلمون هي دار تعارف وعيش مشترك على أساس (العقد الاجتماعي)، وبما يسمح بإمكانية العيش في أمن وأمان وسلام طبقاً لهذا العقد على أسس من المبادئ التي يقبل بموجبها المواطنون المساهمةَ في بناء مجتمعات يتساوى فيها الجميع دون تمييز، سواءً في الدين أو العرق أو اللغة أو الثقافة أو الجنس». واحتراماً لواجبات المؤسسات الإسلامية، فقد دعا البند السادس من الميثاق إلى «تشجيع الانخراط الإيجابي للمسلمين وتعزيز قيم المواطنة الفاعلة لديهم بما يرفع الحرج عن اندماجهم في المجتمعات المحلية بالتوازي مع المحافظة على كرامتهم وهويتهم الثقافية والدينية».

*أمين عام المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة