بصرف النظر عن تكرار مقولة أننا أمام حكومة يمينية متشددة في إسرائيل، وأن عناصرها من اليمين المتطرف، والذي يريد أن يثبت كفاءته في الحكم استثمار لوضع مناسب في إسرائيل، وضعف الساسة الجدد، وانزواء القيادات القديمة في الوسط واليسار، وعدم وجود قيادات عسكرية كبيرة تقدمت لمليء الفراغ الراهن في الساحة السياسية، فإن وقائع جديدة تفرض نفسها على المشهد الراهن.
الأول: أننا أمام حكومتين بالفعل تديران إسرائيل الأولى حكومة نتنياهو، وهي حكومة لكل إسرائيل، ولكل مواطنيها، وشرائحها من الأقليات والأجناس الموجودين على الأرض، وحكومة ثانية يديرها كل من ايتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، وكلاهما يملكان رصيدا من النشاط العملي على الأرض، وتدرجا في الساحة السياسية إلا أن وصلا إلى الحكومة الراهنة، أي أنهما لم يهبطا على الساحة السياسية الحزبية، كما هو شائع، وإن كانت التحفظات على الشخصيتين ارتبطت بآرائهما وفكرهما المتشدد، والذي يمثل خطراً على الدولة العبرية لهذا تم حظرهما من العمل بالسياسة لبعض الوقت، كما جرى الأمر بالنسبة لحركات العنف والإرهاب، والتي أنتجت حركات «كاهانا» و«كاخ» وغيرهما، ومن ثم فإن هذان الوزيران سوف يحكمان نصف إسرائيل، وربما أكثر خاصة أن فك وتركيب المهام والأولويات سيجعل من تدوير مهام كل وزير ليشغل وزارة أخرى في منتصف وزارته، والعكس يؤدي إلى هيمنة حقيقية على الأوضاع ومحاولة إرضاء المستوطنين.
الثاني: أن المشهد الحالي سيتجاوز اقتحام الأقصى، أو الولوج بملف المقدسات الإسلامية والمسيحية ليتصدر الواجهة بل التعامل الأهم في الأراضي الفلسطينية، أو (مناطق ج) بمقتضى أوسلو، وهو ما قد يؤدي إلى خيارات صعبة على الجانب الفلسطيني، لأن المخطط المطروح ولا أحد يريد مناقشته احتمال إقدام هذا اليمين المتطرف بالضغط على رئيس الوزراء نتنياهو لضم الأراضي الفلسطينية، وحسم الأمر بصورة نهائية، وتجاوز ما يجري من الإعلان عن مشروعات تنموية أو استثمارية في القدس، وما يجاورها، فالخطط معلنة ومنشورة،. وجاءت اتفاقيات الائتلاف الحكومي، وتقاسم الصلاحيات والمهام لتؤكد ما سيجري من مخططات واضحة المعالم، وتتجاوز أيضا مخطط اقتحام المسجد الأقصى إلى السماح للمستوطنين بالصلاة داخله وتكثيف أعمال البحث والتنقيب تحت المسجد للوصول إلى الهيكل.
الثالث: أن رموز الحكومة الثانية ستعمل في اتجاه مباشر وبصورة عملية، وسيتخوف رئيس الوزراء نتنياهو من إثارة مشكلات حقيقية وما أكثرها في الفترة المقبلة مع الائتلاف بل وشرائح المجتمع الإسرائيلي بأكمله بما في ذك التعامل مع عرب 48، والتي اضطر نتنياهو لتعيين ممثل لهم رئيسا للكنيست برغم تحفظ رجال المؤسسة الدينية واحتجاجهم المعلن في إشارة إلى أن رئيس الوزراء نتنياهو سيفشل مقدما في مواجهة ما سيجري، وانه سيخوف بالفعل من الصدام مع أي طرف خاصة أن جلسات محاكمته سيتم استئنافها خلال الأسابيع المقبلة.
الرابع: في ظل انسحاب تكتيكي للمؤسسة العسكرية مما يجري واستمرار توجيه الرسائل السياسية والإستراتيجية لرئيس الوزراء نتنياهو بأن ما جري من اتفاقيات حزبية مست الجيش والشرطة، ومؤسسات الأمن وإدخالها في لعبة المقايضات فإن الأمر سيحتاج إلى معالجات مختلفة، وفي حال الدخول في مرحلة التطبيق وشيوع حالة من التذمر داخل وحدات الحدود أو الشرطة وإعادة التوجيه في الضفة فإنه لن يستقر الأمر بصورة سهلة، أو أن ينصاع الجيش لما سيجري خاصة أن صلاحيات وزير الدفاع والأمن الداخلي والأمن القومي، وقادة التشكيلات والكتائب سواء في الداخل أو الضفة الغربية لن تكون محل تجاذب حزبي ضيق لشخصيات – يراها قادة المؤسسة العسكرية – غير مؤهلين بالفعل وأنهم سيضروا بأمن إسرائيل جراء إتباع هذه السياسات، والقرارات غير المدروسة، وغير المخطط لها جيدا.
في المجمل العام واقعيا نحن أمام واقع غريب لا مثيل له في تجارب الحكومات، والمرتبط بفك، وتركيب الصلاحيات والمهام، وإعادة تدوير المواقع الوزارية وثنائيتها الغريبة، والتي لم تحدث في إسرائيل من قبل. 

ومن الواضح أن رئيس الوزراء نتنياهو – ولكي يمرر حكومته ويعود للسلطة – لم يكتفِ فعلياً بتقديم تنازلات هيكلية لشركائه فقط بل قبل بوضع حزبي مواز له ممثلا في حكومة أخري تعمل إلى جواره، وستصدر له مزيدا من الإشكاليات الدورية سواء في الداخل، أو على مستوى الإقليم بأكمله، وهو ما سيؤدي لمزيد من حالة عدم الاستقرار في إسرائيل.
* أكاديمي متخصص في الشؤون الاستراتيجية