مع نهاية عام 2022 وبداية العام الجديد، ازدادت أسواق النفط اضطراباً بارتفاع حدة التقلبات والمضاربات بصورة متواصلة وبنسب عالية، ما أثار من جديد المخاوفَ من تأثر أسعار النفط بهذه الأحداث التي يتوقع أن تستمر في الفترة القادمة لأسباب عديدة، إلا أن الجانب الإيجابي يتعلق بالأوضاع المؤقتة التي تشكل الأرضيةَ الرئيسية لهذه التطورات التي يتم استغلالها في المضاربات أساساً.

وهناك العديد من العوامل والمؤشرات التي تؤثر بصورة مباشرة في تقلبات الأسعار، إلا أن أهمها على الإطلاق يخص حجم الطلب الصيني على النفط، والمرتبط بتفشي «فيروس كورونا» وتحوره الجديد، ما يعكس الأهميةَ المتزايدة لاقتصاد الصين، والتي تحاول بعض الدول الكبرى تطويقها والتحفيف من قوة تأثيراتها، بما في ذلك تقليل الواردات الصينية واستخدام النفوذ لحث الدول الأقل نمواً على تخفيض اعتمادها على المساعدات والقروض من بكين والتي تساعد على زيادة نمو الصادرات الصينية لهذه الدول.

ولعب هذا العامل دوراً مؤثراً عرّض أسعار النفط لانخفاضات وارتفاعات مفاجئة خلال فترة زمنية قصيرة، فبعد ارتفاعات متواصلة اختتمت أسعار النفط عام 2022 عند مستويات مرتفعة، فإن الأسعار تدنت بنسبة كبيرة بلغت 9.5% في بداية عام 2023، وهي أكبر نسبة انخفاض تصاحب العام الجديد منذ ثلاثة عقود، وذلك بسبب المخاوف الخاصة بانتشار المتحور الجديد لـ «كوفيد-19» في الصين وإمكانية تأثيره على الطلب، باعتبار الصين أكبر مستورد للنفط، وكذلك إمكانية انتقال الفيروس إلى الدول الأخرى، وما قد يتبعه من إغلاقات قد تؤدي إلى ركود عالمي.

إلا أن الأسعار سرعان ما عوضت معظم خسائرها ليصل سعر البرميل 80 دولاراً، وذلك بعد انفتاح الصين وإلغاء قيود السفر كافة الخاصة بجائحة كورونا. ويلاحَظ، أن الأوضاع الاقتصادية والصحية في الصين أضحت في الآونة الأخيرة مادةً دسمةً للمضاربين، بدليل أن الطلب على النفط في ثاني أكبر اقتصاد عالمي لم يتأثر كثيراً بالأوضاع الداخلية، إلا أن حجم الإثارة الإعلامية يساهم في بث المخاوف المتعلقة بالطلب، لتعقبه أخبار أخرى إيجابية.. وهكذا دواليك، حيث سيستمر توارد هذه الأنباء في الفترة القادمة مع تأثيراتها على أسعار النفط صعوداً وانخفاضاً.

وإضافة إلى هذا العامل المهم والمؤثر في تقلبات الأسعار، فإن هناك عوامل أخرى تلعب دوراً في هذه التقلبات الحادة، كتلك الخاصة بصادرات النفط الروسية بعد أن فرضت الدول الغربية حداً أعلى لصادرات النفط الروسية، وفق آلية لم تثبت فعاليتَها بعد، علماً بأن تأثيراتها على الأسعار أقل حدة من العامل الأول. وأخيراً ساهمت التأثيراتُ المناخية بصورة في تقلبات الأسعار، كالعواصف الثلجية الأخيرة في الولايات المتحدة، حيث استغلت في المضاربات المحمومة التي سادت الأسواق.

والحال أن الاستنتاج الذي يمكن الخروج به من هذا الموجز يكمن في القول بكل ثقة إن قرارات «أوبك+»، وبالأخص المتعلقة بتخفيض الإنتاج بمقدار مليوني برميل يومياً، والتأكيد على استمرار العمل به في الاجتماع الأخير، هو القرار الصائب والذي حافظ على أسعار النفط من الانهيار وأبقاها عند معدلات عادلة مناسبة للدول المنتجة والمستهلكة على حد سواء، باعتبار النفط مادةً استراتيجيةً مهمة لا بد وأن يتم تسويقها بما يعكس هذه الأهمية، وأن كل المطالب بزيادة الإنتاج والانتقادات التي وجهت للمجموعة لم تكن موضوعية، بل بعيدة عن الواقع وعن الأساسيات التي يتطلبها عمل السوق، بما يتماشى ومستويات العرض والطلب.هذه الحقائق ستشجع «أوبك+» على اتخاذ القرارات المناسبة في اجتماعها في شهر فبراير القادم، والذي تترقبه الأسواق.

إلا أنه يمكن القول بأن هذا الاجتماع للمجموعة سيؤكد على الثوابت التي تلتزم بها، والخاصة بالحفاظ على توازن السوق والحصول على أسعار عادلة، وتجنب أي نقص في الإمدادات يمكن أن يؤثر على النمو العالمي، وهي ثوابت أثبتت التطورات صحتها وفائدتها لاستقرار الاقتصاد العالمي ودعم النمو.

*خبير ومستشار اقتصادي