يرتبط الإدمان بعدم قدرة الشخص على ترك العملية أو الممارسة أو العادة التي يمارسها، والتي يسببها التعرّض المتكرر لمحفز ما يتم تعزيزه، ويكون مكافئاً في ذاته؛ أي يصبح بطبيعته إيجابياً ومرغوباً وممتعاً للشخص المدمن، وهو يتسم بارتباط قهري بمحفزات نظام المكافأة في الدماغ وعدم المبالاة بالنتائج الضارة. ويصاحب ذلك نكران شديد بفقدان التحكم بالفعل وردة الفعل للمحفز، والتصور الذاتي الكاذب بأن الأمور تحت السيطرة ولا توجد اعتمادية متبادلة مرضية، وغياب أي أعراض لمرض عصبي يتصف بالاستهلاك القهري للمنبهات المجزية والتقليل من حجم وطبيعة العواقب. 
وفي إطار الكم الهائل والخيالي من المعلومات والبيانات التي تستقبلها عقولنا في عصرنا الحالي في طريق سريع يسير نحو اتجاه واحد فقط، نحن الآن جزء من عالم حروب المستقبل وإستراتيجية الاقتراب غير المباشر في عصر ثورة المعلومات والبرمجة العقلية عن بعد، حيث تم الانتقال بسلاسة ونجاح نحو تحولنا لعقول مبرمجة بإتقان لتبنّي واتباع أنماط معينة من التفكير والسلوك، وشكلت عقول الغالبية منا وفق أهداف الجهات الرئيسية التي تتحكم أو تقف خلف تدفق المعلومات، وتمت برمجتنا فعلياً مع الوقت لتلقّي معلومات بعينها وأن نصدق المعلومات الصادرة من مصادر محددة فقط، وتكوين جدار عزل معلوماتي لكل مصدر مختلف للمعلومات، وأصبحت أدمغتنا بالتالي حساسة لدورة الرغبة في مكافأة معينة، ولذلك نحن مدمنون على تلك المعلومات ومدفوعين بقلق شديد للحصول على المكافأة.
فعندما نسمح لأنفسنا بأن نتبع محرك بحث مثل «جوجل» على سبيل المثال أن يقودنا تدريجياً من بحث إلى بحث آخر مع أننا نعلم أن المعلومات ليست حيوية، ونعلم أننا يجب أن نتوقف، ولكننا لا نفعل ذلك، ولاسيما أن فرز مادة الدوبامين والشعور بالسعادة يتزايد من خلال إيجاد شيء غير متوقع أو توقع شيء جديد وتكوين انطباعات جديدة، وتكرار المعلومة نفسها بصورة طردية تجعلها بديهية كحقيقة لدينا دون أن نشعر مع مرور الوقت، ويؤثر كل ذلك على أذواقنا وقيمنا ورؤيتنا للحياة وما هو إيجابي وما يجب أن نتبناه، وما هو منبوذ من سلوك في حال اتباعنا له سيجعلنا منبوذين في مجتمعاتنا الافتراضية، والتي باتت تمثل النواة للمجتمع المادي وتنعكس قيمها عليه والعكس غير صحيح على المدى البعيد.
من جانب آخر، إن خلايا الدماغ لدينا مضبوطة بدقة للحصول على المزيد من المعلومات حول الأشياء التي نعرفها بالفعل، والفضول حيال ما نجهله من معلومات قد ترتبط بها، وتعمل هذه الخلايا في جوهرها من خلال السعي المستمر لتقليل «إشارة خطأ التنبؤ»، وهي الفجوة بين ما تتوقع هذه الخلايا حدوثه وما يحدث بالفعل، وبالتالي الرغبة في تلقي المعلومات حول هذا الحافز المجزي المحدد، وهذا يعني أننا نميل إلى البحث عن معلومات تشبع رغبة أو فضول حالي أو حاجة دفينة لدينا سواء كانت مفيدة أم لا، تماماً مثلما ما يحدث عندما لا نكون جائعين ونتناول وجبة خفيفة، ولذلك نتحقق من هواتفنا الخلوية طوال الوقت حتى في الأوقات التي لا نتوقع فيها ورود أي رسائل لنا، وهو أمر متعلّق بالإدمان المعلوماتي الرقمي وتأثيره على الدماغ مثل النقر فوق عناوين مشكوك فيها، ومثلما تحب أدمغتنا السعرات الحرارية الفارغة من الوجبات السريعة، يمكنها كذلك المبالغة في تقدير المعلومات والمؤثرات الترفيهية في وسائل التواصل الاجتماعي والتي تجعلنا نشعر بالسعادة بغض النظر عن المردود، وهو ما يدركه تماماً استراتيجيو التسويق والدعاية والمبيعات في شتى المجالات الحياتية، اقتصادية أو غير اقتصادية، في القطاعين العام والخاص.
فقد أثبتت البحوث العلمية مؤخراً وجود رمز عصبي مشترك للمعلومات والمال، مما يفتح الباب أمام عدد من الأسئلة المثيرة حول كيفية استهلاك الناس للمعلومات. وتوصلت دراسة جديدة أجراها باحثون في كلية هاس للأعمال بجامعة كاليفورنيا في بيركلي الأميركية «إلى أن المعلومات تعمل على نظام المكافأة الذي ينتج الدوبامين في المخ بنفس طريقة المال أو الطعام»، وكما هو الحال في أوراق بحثية متفرقة تم التطرّق إلى الشفرة العصبية المشتركة للمكافأة وقيمة المعلومات، وكيف أن الدماغ يحول المعلومات إلى نفس النطاق المشترك كما يفعل مقابل المال، وحقيقة أن المعلومات تستخدم نظام المكافأة في الدماغ هو شرط ضروري لدورة الإدمان، وهو ما يفسر سبب عدم مقاومتنا لقراءة خبر أو عنوان معين، أو التمعّن في صورة أو مشاهدة فيديوهات معينة، وهو ما يجعل أدمغتنا عرضة للإغراء والبحث اللاشعوري عن المعلومات التكيفية، وهو ما يتجذّر في النظريات المعاصرة للتعلّم المعزّز في نظام المكافأة الدوباميني!
* كاتب وباحث إماراتي في شؤون التعايش السلمي وحوار الثقافات