لم تنطوِ صفحات أزمات لبنان المتعددة والمتشعبة التي انتهت بأزمة مالية ومعيشية لم يشهدها اللبنانيون من قبل، وهو ما يدعو المتابع لشؤون ذلك البلد للقول بأنه منكوب ومنهوب، ولا شك أن نخبه الحزبية-السياسية هي المسؤولة عما وصل إليه بلدهم.
اليوم وبعد فشل المجلس النيابي على مدار 10 جلسات بانتخاب رئيس جديد خلفاً للرئيس ميشيل عون، يعيش لبنان فراغاً دستورياً وسط اتهامات من القوى المعارِضة لـ «حزب الله» وحلفائه بالمسؤولية عن تعطيل الانتخاب، وعن استمرار حالة الفراغ الرئاسي منذ 31 أكتوبر الماضي. ومن الطبيعي أن هذا الفراغ ينسحب على مؤسسات وأجهزة الدولة، وتسبب بتعطيل مصالح اللبنانيين وهدر حقوقهم وزيادة الأعباء والمشاكل الحياتية عليهم، ونتج عن تلك الأزمات أوضاع معيشية صعبة للغاية، والآن لبنان على مفترق طرق، فإما أن يترّفع المسؤولون والسياسيون عن مصالحهم الضيقة ويضعوا حداً للطائفية، وإلا فلبنان على شفير انهيار كبير، وبالتالي لن تكون أمامه فرصة قريبة لاحتواء المخاطر التي تحاصره والنهوض من كبوته.
كثيرة هي الدول التي لم تتخلَّ عن لبنان، ولا يكاد يمر يوم من دون أن يحل سياسيون ضيوفاً عليه لتقديم المساعدة له في سبيل حل مشكلاته التي تتراكم منذ سبعينيات القرن الماضي، ورغم كل المساعدات التي قدموها إلا أنهم لم يستطيعوا منع انهياراته. 

قبل أيام زار وزير الدفاع الفرنسي بيروت حاملاً رسالة من الرئيس إيمانويل ماكرون، يركز مضمونها على ضرورة إنهاء أزمات لبنان. 

ماكرون عبّر أيضاً عن استيائه من أحوال لبنان التي انعكست سلباً على كل مناحي الحياة فيه. كما لم يخفِ ضيقه من الطبقة السياسية وطالبها بالتّطهر وتصحيح مواقفها قبل فوات الأوان. ومن قبله، حضر أمين عام جامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط أعمال منتدى الاقتصاد العربي الـ 28 الذي أقيم في بيروت، وفيه أكد أن تحقيق الانطلاق الاقتصادي في لبنان مرهون بكسر الانسداد السياسي، وستقدم الجامعة العربية ما هو مطلوب منها في ملف تفعيل الحوار بين الأطراف السياسية اللبنانية.
إن أزمات لبنان لا تنتهي بانتخاب رئيس جديد للجمهورية، إنما أيضاً بحكومة وسياسيين يلتزمون بتطبيق نهج إصلاحي يطال المؤسسات كافة في ظل قضاء عادل ومستقل. وأغلبية الأطراف التي تعمل من أجل سلام وسلامة لبنان لا تفعل ذلك إلا لأنها تحب لبنان، وتريد له أفضل مستقبل بوجود رئيس قادر على التحاور مع الكيانات والأطراف اللبنانية-اللبنانية أولاً لحل الخلافات القائمة فيما بينها، ويحظى بدعم دولي يمكّنه من عملية الإصلاح الداخلي التي من شأنها – إن تمّت - أن تيسّر العلاقات مع الأطراف الدولية، ومن بينها صندوق النقد الدولي الذي تعهد بتقديم المساعدات في حال انضباط الأوضاع في لبنان التي ستجذب الاستثمارات إليه فتنعش اقتصاده.
الكرة في ملعب اللبنانيين أنفسهم الذين عليهم عدم المراهنة دوماً على استمرار وجود مساع خارجية تسعى لإخراج البلد من أزماته. عليهم - كما نرى - وضع مصلحة لبنان أولاً، والتوقف عن المراهنة بمستقبله والتي أوصلت الناس إلى مستنقع لم يختاروه بأنفسهم. إن أغلبية الطبقة السياسية اللبنانية الحالية لا تكترث لوضع حل للمشكلات التي أغرقت لبنان، وإن كانوا يصرّحون بغير ذلك. إن اهتمامنا بمستقبل لبنان أكبر وأكثر من السياسيين أصحاب الأفق الضيق الذين لا تعنيهم إلا مكاسبهم الفئوية ومصالحهم الطائفية دونما اكتراث لأوضاع لبنان وأهله.