من تعريفات الدبلوماسية أنها فن تسيير العلاقات الدولية عن طريق التفاوض وبوسائل سلمية أخرى (مثل جمع المعلومات وإبداء النوايا الحسنة) المصممة إما بشكل مباشر أو غير مباشر لتعزيز التفاوض بدلاً من القوة المسلحة أو التحكيم الدولي. ويحاول الدبلوماسيون مساعدة بلدانهم بالتمثيل الإيجابي المشرف في المحافل الدولية، وتشجيع التعاون بين الدول، والحفاظ على السلام.

ويُنظر إلى الدبلوماسية دوما بأنها أداة مهمة في حل النزاعات لأنها تقوم دائمًا على الحوار، عادة بين دولتين، والحوار عنصر حاسم لنجاح أي مفاوضات لحل النزاعات الدولية الثنائية أو الجماعية، وذلك سواء كان للصراع بُعد تاريخي أو كان نتيجة أوضاع حالية. وتشمل الدبلوماسية عدة مبادئ من أبرزها التفاؤل، والالتزام بالعدالة، والواقعية.

وتسعى الجهات المنوط بها إدارة النشاط الدبلوماسي في الدول إلى استقطاب الأشخاص الذين يمتلكون مجموعة متنوعة من المهارات الشخصية تشمل التفكير الاستراتيجي، حل المشكلات، الانصات الجيد، القيادة، بناء العلاقات، الدقة في كتابة التقارير والكفاءة والقدرة على التفاوض وحل النزاعات. وتُعتبر المهارة الأخيرة هي السمة الأبرز والأهم في شخصية الدبلوماسي في حياته المهنية.

وبالنظر إلى أبرز أزمة دولية حالياً وهي الروسية – الأوكرانية التي ستُكمل عامها الأول الشهر القادم، وذلك كمثال لأهمية الدبلوماسية في حل النزاعات الدولية، فإن الأمر المؤكد هو الفشل الذريع في الدبلوماسية بين طرفي الأزمة من جهة وبين روسيا والولايات المتحدة الأميركية حول الأوضاع في أوكرانيا من جهة أخرى قبل بدء الأزمة.

فالجانب الروسي يرى السبب الرئيس في اندلاع الأزمة هو إخفاق الدبلوماسية الأوروبية – الأميركية في إقناع القيادة الأوكرانية بحماية شعب إقليم دونباس الذي ينحدر غالبيته من أصول روسية بجانب السعي الأوكراني للانضمام إلى حلف «الناتو» وما يُمثله ذلك من تهديد أمني استراتيجي على روسيا. أما الجانب الأوكراني فيرى أن التهديدات الروسية العسكرية والتدخل الروسي في الشؤون الداخلية لأوكرانيا هما أبرز أسباب الفشل الدبلوماسي قبل الأزمة.

وقد شهدت الأزمة محاولتين رئيسيتين لإحياء الجهود الدبلوماسية بين موسكو وكييف، وهما جولات المفاوضات التي استضافتها تركيا بعد اندلاع الأزمة ثم مبادرة الرئيس الأوكراني مؤخراً التي تقوم على عشر اقتراحات لبدء أي جولات دبلوماسية بين بلاده وروسيا.

وتشمل المقترحات سحب القوات المسلحة الروسية من منشأة «زابوريجيا» النووية، وتمديد مبادرة الحبوب التي تجري بمشاركة من الأمم المتحدة وتركيا، وفرض قيود على أسعار تصدير روسيا لمنتجات الطاقة، والإفراج عن أسرى الحرب، وتنفيذ ميثاق الأمم المتحدة واستعادة وحدة أراضي أوكرانيا، وانسحاب القوات الروسية ووقف الأعمال العدائية، وإنشاء «محكمة خاصة» وآلية دولية للتعويض عن جميع الأضرار التي سببتها روسيا في الحرب، وإنشاء منصة لتقييم الأضرار البيئية للحرب، وعقد مؤتمر دولي لتدعيم الهيكل الأمني لما بعد الحرب لضمان أمن أوكرانيا، وتوقيع وثيقة تؤكد نهاية الحرب.

أما موسكو فترى أنها ستوافق على أية محادثات دبلوماسية شريطة اتخاذ كييف قراراتها بمفردها دون أي تدخل من الغرب ووقف المساعدات العسكرية الأميركية والأوربية لأوكرانيا. والخلاصة أن للدبلوماسية دوراً حيوياً إذ أن فشلها سيؤدي غالباً إلى نزاعات مسلحة، ولكنها لا تزال الأداة الوحيدة لإنهاء تلك الصراعات وهو ما يحتاجه المجتمع الدولي حالياً لحل الأزمة الروسية – الأوكرانية.

* باحث إماراتي