هناك طريقتان يمكن النظر بهما إلى إعلان اليابان الشهر الماضي اعتزامها زيادة الإنفاق الدفاعي بأكثر من 50 في المئة خلال السنوات الخمس المقبلة والحصول على صواريخ متطورة تستطيع بلوغ البر الأوروآسيوي.

الأولى هي أن الإعلان يمثّل انتصاراً للنظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة، أما النسخة القاتمة، فهي أنه يمثّل اعترافاً بفشل النظام الذي تقوده الولايات المتحدة، والذي سعى إلى كبح المنافسة العسكرية في شرق آسيا بعد الحرب العالمية الثانية. كلتا النظرتين المتفائلة والمتشائمة تعكسان وقائع مهمة، والتاريخ سيقرر أيهما أقرب إلى الواقع.

وفي غضون ذلك، هناك قلة قليلة جداً من الأميركيين المتضلعين في طريقة تفكير طوكيو مثل مايكل جاي. غرين، المتخصص في الدراسات اليابانية، والذي كان مستشاراً في مجلس الأمن القومي في عهد الرئيس جورج بوش الابن ويرأس حالياً مركز دراسات الولايات المتحدة بجامعة سيدني في أستراليا. كتابه الأخير «خط الامتياز» يشرح الاستراتيجية اليابانية للجمهور الغربي. وقد أجريتُ معه مؤخراً حواراً عبر منصة «زووم» لفهم تداعيات تحول اليابان الجيوسياسي.

«الكثير من الناس كانوا يقولون إن ثقافة السلمية اليابانية ثابتة»، يقول غرين الذي سافر إلى اليابان أول مرة من أجل تعليم اللغة الإنجليزية بعد تخرجه في الجامعة في ثمانينيات القرن الماضي، «ولكنني كنتُ أشعر دائماً بأن اليابانيين واقعيون في النهاية». ذلك أن الهدف الرئيسي لفن الحكم وإدارة الدولة لديهم هو «عدم الخسارة»، كما يقول. فاليابان نظمت نفسها كي لا تخسر اقتصادياً في العقود التي تلت الحرب العالمية الثانية، وهي «الآن تنظم نفسها كي لا تُقهر ولا تُهزم».

التحول من السلمية كان مفاجئاً. وقد شبّه أحد أساتذة غرين السياسةَ اليابانيةَ بـ «صحن بازلاء – لا يتحرك أبداً»، كما يتذكر. «ولكنك إذا أملت الصحن قليلاً، تتدحرج كلها إلى جانب واحد». وإذا حصلت اليابان على 500 صاروخ توماهوك، مثلما تفكر في ذلك حالياً على ما يقال، فإن أي طرف يفكر في استهدافها قد يفكر مرتين قبل أن يُقدم على مثل هذه الخطوة. وحينها تستطيع اليابان الانضمام إلى الولايات المتحدة في حرب بحرية وفي الوقت نفسه تقليص احتمالات تعرّض أراضيها لهجوم لأول مرة منذ 1945.

اليابان بدأت تلك الحرب مع الولايات المتحدة بالطبع، عبر شنّ هجوم على ميناء «برل هاربر» في 1941.

ولكن غرين يرى أن طوكيو بدأت الحرب بخطأ استراتيجي جوهري، ألا وهو قرارها أن تكون قوةً بريةً بالدرجة الأولى بدلاً من أن تكون قوةً بحريةً. هذا القرار له جذور تعود إلى تاريخ اليابان وجغرافيتها. إذ خلافاً لبريطانيا، يُعد الأرخبيل الياباني محمياً بشكل جيد من قبل المحيطات، ولهذا ركزت اليابان قواتها المحاربة على الداخل. ويقول غرين إن اليابان كانت تدار من قبل «نظام عشائري ذي نظام عنيف جداً من القواعد وقيم محاربي الساموراي». والحرب الأهلية جعلت الجيش «مهيمناً هيمنةً مطلقةً».

القوات البحرية اليابانية التي ظهرت في القرن الـ 19 وأوائل القرن الـ 20، كانت أقل نفوذاً. ويقول غرين في هذا الصدد: «كانت غريزة الجيش تميل إلى السيطرة على البر، وليس البحر»، مما أدى إلى احتلال اليابان لكوريا ثم منشوريا والصين. والنظام العشائري «اندمج مع جيش حديث وضخَّ في ذاك الجيش الحديث طريقةَ غزوٍ وحشية من القرون الوسطى، وهو ما رأينا اليابان تفعله في الثلاثينيات والأربعينيات»، كما يقول: فوضى عارمة تزعزع توازن القوة في آسيا على نحو خطير.

ولهذا، فإن استراتيجية طوكيو الجديدة تركز على القوة الجوية والبحرية لمواجهة المخاطر والدفاع عن نظام التجارة المفتوح الذي ساعد اليابان على أن تصبح ثالث أكبر اقتصاد في العالم. ولكن أمن آسيا سيظل معتمداً على اضطلاع الولايات المتحدة بدور نشط اختارت ألا تلعبه في العشرينيات والثلاثينيات.

*كاتب وصحافي أميركي

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنسينج آند سينديكيت»