كل التقييمات داخل الساحة السياسية وخارجها تخلص إلى التحذير من أن الحكومة الإسرائيلية الجديدة ستكون حكومة صراع وتنازع في الصلاحيات والمهام. وهناك من يحذر من أنها ستُدخل الإقليم في متاهات جديدة نظراً لوجود ائتلاف حاكم يضم «اليمين المتشدد» بكل عناصره، وبرنامجه الذي أعلنه قبل أن يدخل في الائتلاف الجديد، حيث تكشف الاتفاقيات التي أبرمها حزب «الليكود» مع الأحزاب الشريكة عن معالم الحكومة الأكثر تشدداً في تاريخ إسرائيل.
وفضلاً عن كونها الأكثر يمينية، فإن هذه الحكومة تكاد تكون الأكثر تعقيداً، أخذا بعين الاعتبار اضطرار رئيس الوزراء نتنياهو لإرضاء شركائه من اليمين المتشدد، ويظهر من تركيبة الائتلاف الحكومي المؤلف من الليكود والأحزاب الحريدية «شاس» و«يهودية التوراة»، مع تحالف «الصهيونية الدينية» وحزبي «عظمة يهودية» و«نوعام»، أن 38 من أعضاء الائتلاف من أصل 64 ممثلاً ينتمون للتيارات الدينية اليهودية، وتحالف «الصهيونية الدينية» الجديد وأحزاب المستوطنين، بل ويقطن 14 من أعضاء الائتلاف الحكومي في المستوطنات المقامة على الأراضي الفلسطينية بالضفة الغربية، واصطدم رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو بمطالب سياسية وإدارية ومالية، ساهمت فيها المنافسة بين القوائم الانتخابية الأربع الشريكة لليكود على من يحصل أكثر ويحقق مصالحه أولاً قبل مصلحة «الائتلاف»، وهذا أوجد تعقيدات كبيرة ومشكلاتٍ ستظهر لاحقاً، وتطلب بعضها تغيير قوانين أصلية موجودة وقائمة، مثل نقل صلاحيات من وزارة الدفاع (الأمن) إلى وزارة المالية، التي تولاها رئيس حزب الصهيونية الدينية، بتسلئيل سموتريتش، تتعلق أساساً بشؤون الاستيطان وبمناطق في الضفة الغربية، وصلاحيات لوزارة الشرطة، أو «الأمن القومي»، بدلاً من «الأمن الداخلي»، وسيتولاها «إيتمار بن غفير»، رئيس حزب «عوتسما يهوديت»، بحيث سيكون مسؤولاً عن قوات حرس الحدود. والنقطة الرئيسة بقاء القضايا الخلافية في المجتمع اليهودي ترافق هذه الحكومة، وذلك بكل ما يتعلق بالحريات، والعلاقة بين الديانة اليهودية والدولة، وتقويض صلاحيات المحكمة العليا والجهاز القضائي عبر تعيين قضاة من التيار المحافظ اليمني.
ولا يقتصر الأمر على ما يجري إقليمياً بل وداخل إسرائيل ذاتها، حيث وقع 1198 ضابطاً كبيراً سابقاً في سلاح الجو الإسرائيلي، على رسالة موجهة إلى رئيسة محكمة العدل العليا، «إستر حيوت»، يطالبونها فيها بحماية الديمقراطية من الحكومة الجديدة، كما ظهرت تحفظات وردود فعل سلبية داخل المؤسسة العسكرية الأمنية ضد الاتفاقيات الائتلافية التي تم خلالها نقل صلاحيات من وزارة الدفاع والجيش إلى زعيمي حزبي «الصهيونية الدينية»، بتسلئيل سموتريتش، و«عوتسما يهوديت»، إيتمار بن غفير، المتطرفين وحذر رئيس الأركان كوخافي، من الاندفاع الحكومي في المساس بهيبة الجيش والتدخل المباشر في صلاحياته حيث ستمس هذه الإجراءات بقدرات الجيش على القيام بواجباته في الدفاع عن المصالح الإستراتيجية والأمنية، والمعارضة لسحب صلاحيات الجيش في تعيين رئيس الإدارة المدنية وكذلك الأمر بالنسبة لتعيين منسق شؤون الحكومة مع الفلسطينيين، وهو جنرال برتبة لواء، ونقلها لصلاحية الوزير المستجد قليل الخبرة سموتريتش.
في هذا السياق اتفق اليمين المتشدد مع رئيس الوزراء نتنياهو على نقل المسؤولية عن وحدة تنسيق أعمال الحكومة الإسرائيلية في الأراضي المحتلة والإدارة المدنية في الضفة الغربية، وكذلك شؤون المستوطنين والمستوطنات اليهودية من الجيش ووزير الدفاع، إلى وزير ممثل حزب «الصهيونية الدينية». في حين انتقلت قيادة قوات حرس الحدود في الضفة الغربية، التي تضم 2000 عنصر يدفع الجيش رواتبهم، من قيادة الجيش الإسرائيلي إلى قيادة وزارة الأمن القومي. 

وبرغم ما جرى فإن هناك توقعاً محتملاً بقيام رئيس الوزراء بممارسة سياسته بالحفاظ على التوازن، وعدم الصدام مع ممارسات سياسية وأمنية ستجري، وسيكون لها تداعياتها الحقيقية على الاستقرار السياسي في إسرائيل، إذ لا يمكن للمؤسسة العسكرية القبول بما سيجري برغم فك وتركيب الصلاحيات والمهام الكبرى والجمع بين السياسة والأمن، وإعادة تنسيق المواقف بما سيقحم ولأول مرة ممثلي الأحزاب اليمينية المتطرفة في قلب التطورات الأمنية والإستراتيجية والتي حاولت المؤسسة العسكرية الحفاظ عليها منذ إنشاء الدولة، ومن ثم فإن سيناريو الصدام وارد ومحتمل بين الحكومة والمؤسسة العسكرية بدليل توقيع 1198 ضابطاً كبيراً سابقاً في سلاح الجو الإسرائيلي، على رسالة موجهة إلى رئيسة محكمة العدل العليا، «إستر حيوت»، يطالبونها فيها بحماية الديمقراطية من الحكومة الجديدة، والتحفظ على صلاحية اختيار الحاخام الرئيسي للجيش من رئيس الأركان، ومنحها إلى وزير الصهيونية الدينية، واعتبر الجيش ذلك اعتداء على صلاحياته ومساساً بمكانته.