لا يوجد حد فاصل بين عام ينتهي وآخر يبدأ. نهايات الأعوام تعبّر عن حالة زمنية، وليست موضوعية. والعام الجديد البادئ لتوه امتدادُ لعامٍ يُعد الأكثر اختلافاً عن كل ما سبقه منذ عقود. وينطوي هذا الاختلاف على مصاعب واجهت معظمَ الدول بدرجات متفاوتة وأشكال متعددة. سيستمر بعض هذه المصاعب في عام 2023، سواء توقفت الحرب في أوكرانيا أو استمرت. فالمصاعب الناتجة عن الحروب لا تنتهي فور وقْفها. ولهذا ستبقى التحديات الكبرى التي واجهت العالم في العام المنصرم خلال العام الجديد أيضاً. ومن هذه التحديات ما يُعد غير مسبوق، وخاصةً تلك التي واجهت وتواجه أوروبا. وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون صريحاً عندما قال في آخر أغسطس الماضي إن عهد الوفرة والرفاهية وراحة البال انتهى.
وربما يجوز القول إن القارة العجوز صارت رجلَ العالَم المريض. كما أصبحت بريطانيا رجل أوروبا الأكثر مرضاً. فالتحديات التي تواجه أوروبا في 2023 جسيمة، وبعضها مصيري يتعلق بنوع ومستوى علاقاتها مع الولايات المتحدة، والتي تواجه بدورها تحدياً صعباً في سعيها إلى وقف أو إبطاء الانتقال نحو نظام عالمي متعدد الأقطاب. لكن التحديات كبيرة أمام العالَم كله أيضاً. وكان هذا واضحاً، وقد تم التعامل معه بواقعية، في قمة مجموعة العشرين التي عُقدت في منتصف نوفمبر الماضي. 
وتُزيد حالةُ عدم اليقين الشعورَ بحدة المصاعب التي تواجه العالَم، وما يرتبط بها من تحديات. عدم اليقين هو أبرز سمات المرحلة الراهنة. وللمرة الأولى منذ القرن الثامن عشر، لا نجد إجابات عن أسئلة كثيرة، بعضها قديم ومعظمها جديد. وصلت الأنساق الفكرية الكبرى، التي ارتاح كثير من الناس في العالم إلى هذا أو ذاك منها على مدى قرنين من الزمن، إلى نهايات مختلفة. ولم يعد أي منها قادراً على تفسير ما يحدث في مرحلة هي الأشد اضطراباً منذ عقود، أو وضع خريطة طريق موضوعية لتجاوز المصاعب ومواجهة التحديات. لم يشعر العالَم بعدم اليقين فجأةً في العام المنصرم، فهو نتيجة تراكم يرتبط بالتغيرات السريعة غير المبسوقة في مداها بفعل القفزات التكنولوجية المتوالية.. لكنه ازداد في وقت قياسي منذ أوائل عام 2022، ويبدو أنه أخذ بالازدياد في عام 2023.
وإذ تبدو الدولُ الكبرى غير قادرة على وضع حد لأزمة مركَّبة تقترن فيها المصاعب والتحديات بعدم يقين غير مسبوق، تزداد المسئولية المُلقاةُ على عاتق دول صاعدة، عملت بجدية خلال العقود الأخيرة وحققت نجاحات متفاوتة، للقيام بدور ينتظرها. فهذه الدول ليست جزءاً من المشكلة التي نتجت عن سياسات بلدان كبرى، وتستطيع بالتالي أن تكون جزءاً من الحل، وأن تقدم الأمل الذي ينتظره العالَم في العام الجديد. فتجارب هذه الدول، وقدرتها على مواصلة العمل الذي مكّنها من الصعود، تفيدان أن الأمل في الأفضل ليس قليلاً في هذا العام أياً تكن المصاعب والتحديات. فالآمال تتحقق بنافع الأعمال. 

*مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية