يظن كثير منا أن المنازل الذكية ضربٌ من الرفاهية المفرطة، وإضافة باهظة التكاليف إلى أسلوب حياتنا اليومية، ولكنْ واقعيّاً يشهد مجال المنازل الذكية انتشاراً متسارعاً، نظراً إلى مزاياه التي تُواكِب نمط الحياة العصري المنتشر في كثير من دول العالم. ويبدو هذا التسارع في الانتشار واضحاً إذا نظرنا إلى القيمة السوقية لسوق المنازل الذكية، التي بلغت 12.79 مليار دولار بحسب إحصائيات عام 2021، إلى جانب التوقعات الإيجابية بتحقيق هذه السوق نموّاً سنويّاً مركباً قدره 3.25 في المئة خلال السنوات الست المقبلة. 
ويدفعنا الاهتمام المتزايد بالمنازل الذكية إلى البحث عن الأسباب التي تجعلها تلقى رواجاً لدى مُتبنّي فكرة التحوُّل من أنظمة المنازل التقليدية إلى الأنظمة الذكية وتطبيقاتها. وبرغم ما توفره المنازل الذكية من مزايا، مثل درجة الأمان العالية، وسهولة التحكم في أجهزة المنزل، ومستوى الراحة المثالي ولا سيَّما لكبار السن، فإن كفاءة الطاقة وأنظمة إدارتها تبقى المحرك الرئيسي الذي يُرجِّح كفّتها في مقابل كفّة المنازل التقليدية، ويدفع نحو المزيد من التحوُّل.
لكنْ ما نظام إدارة الطاقة؟ وما الدور الذي يؤدّيه حتى أصبح إحدى أبرز المزايا التي توفرها المنازل الذكية؟
يُعرَّف نظام إدارة الطاقة في المنزل الذكي بأنه نظام يوفر إمكانية التحكم في التيار الكهربائي داخل المنزل ومراقبته للحفاظ على الطاقة، وترشيد استخدامها، ما يحقق الكفاءة التي يصعب الحصول عليها في أنظمة المنازل التقليدية. وتحتوي الوحدة المركزية لنظام الطاقة هذا على واجهة رسومية تَستخدم أجهزة استشعار للتحكم في استهلاك الطاقة بكل غرفة في المنزل، كما يمكن لواجهة المستخدم التفاعل مع نظام التحكم عن طريق جهاز التلفاز أو الهاتف المحمول أو الإنترنت أو حتى الهاتف السلكي. وفي الوقت نفسه تقيس أجهزة الاستشعار في وحدة المراقبة تلك، متغيرات المحيط الداخلي للمنزل، مثل درجة الحرارة وحركة الأجسام الحيَّة في غُرَفه. ويسهم هذا النظام في تمكين المستخدم من تحديد أداء عمليات توزيع التيار الكهربائي داخل المنزل، ما يعزز كفاءة الطاقة، ومن ثَمَّ تقليل قيمة فاتورة الكهرباء، كما تُمكِن متابعة هذه الكفاءة عبر وحدة الاتصال الخاصة المتصلة باستمرار بشبكة الكهرباء.
وفي ظل زيادة التوجُّه العالمي نحو الطاقة المتجددة تَطوَّر نظام إدارة طاقة المنازل الذكية، وأصبح أكثر فاعليَّة، ولا سيَّما عند ربطه بمصادر الطاقة المتجددة الأخرى غير الكهرباء. 
فما الهدف الرئيسي من استخدام نظام إدارة طاقة المنازل الذكية؟ يختلف الهدف باختلاف المتفاعل مع هذا النظام، فمن وجهة نظر مستخدمي الكهرباء يُعَدُّ تقليل قيمة فواتير الكهرباء هو الهدف الأسمى لهذا النظام، في حين تنظر هيئة الكهرباء، أو الجهة المزودة للخدمة، إلى النظام بصفته يُخفّف الضغط على محطات الطاقة. وعلى نطاق أوسع يدعم هذا النظام المجتمع كله، ويسهم في تحقيق أهداف التنمية، والوصول إلى الاستخدام الأمثل لموارد الطاقة النظيفة التي توفر الكهرباء من مصادر خضراء، مثل الشمس والرياح. وتشكِّل جميع هذه المزايا جزءاً مهمّاً من الجهود العالمية الرامية إلى تخفيف الانبعاثات الكربونية، وخلق بيئة أكثر أماناً للأجيال المقبلة.
وفي مقابل ما يوفره هذا النظام من إيجابيات تدعو إلى تبني استخدامه، لا نزال لم نرَ ذلك الزخم في التحوُّل إلى المنازل الذكية، فهل ثمَّة تحديات تعوق سرعة انتشار أنظمة إدارة طاقة المنازل الذكية، والإقبال على الانتقال إليها، لنُودع بذلك عهد المنازل التقليدية؟ لا بدَّ من أن نتفق في البداية على أن معيار تقييم نظام إدارة الطاقة في أي منزل هو - بلا شك - مدى كفاءته في خفض طاقة الاستهلاك، وإدارة إنتاج الطاقة في المنزل بشكل صحيح، ومن ذلك مستوى درجات الحرارة، وفاعليَّة استخدام الكهرباء. وإضافةً إلى التحديات التي تواجه نظام إدارة طاقة المنازل الذكية، مثل الاعتماد الكبير على شبكة الإنترنت، والمخاوف من اختراق الخصوصية، وصعوبة واجهات المستخدم في هذه الأنظمة، تبرز التكلفة العالية المرتبطة بالشراء والتركيب، إلى جانب مدَّة استرداد القيمة المادية الطويلة المدى، بصفتها أكبر تحدٍّ يواجه التحوُّل إلى المنازل الذكية.
إذن، ما الحلول المتاحة؟
يُعَدُّ إيجاد طريقة منخفضة التكلفة لرصد هذه النظم، ومراقبتها، أحد أهم الحلول الرامية إلى زيادة الإقبال على المنازل الذكية، وتسهيل عملية الانتقال إليها. وإن توفير هيئات الكهرباء الطاقة برسوم سنوية ثابتة، ومن ثَمَّ تركيب الأجهزة الموفِّرة للطاقة وتجهيزات الإضاءة التي تقلِّل استخدامها، قد يكون حلّاً مؤقتاً، ولكنه غير كافٍ. أما إذا أردنا التحوُّل الفعلي إلى المنازل الذكية، فالمطلوب هو التحوُّل التدريجي عبر توفير أداة معقولة التكلفة، تسهم في جدولة تشغيل الأجهزة المنزلية، وتوفير الخيارات التي تساعد على خلق بيئة مريحة داخل المنزل، وتسهم بالوقت نفسه في تقليل قيمة فاتورة الكهرباء.
كل ذلك يتركنا أمام حاجة مُلحّة توجِب علينا تطوير أداة لإدارة الطاقة بسعر معقول، وتجعل مفهوم المنازل الذكية أكثر قبولاً وأوسع انتشاراً، ووضْع هذا المجال ضمن الأولويات والمستهدَفات الرئيسية في جهود البحوث المستقبلية.
د. أمينة سعد السميطي
أستاذ مشارك في جامعة خليفة