أيام قليلة على نهاية العام 2022 وانطلاق العام الجديد 2023 الذي يستقبله العالم مع ذات الهموم والقضايا والأزمات التي عصفت به منذ ظهر فيروس كورونا العام 2020 ثم اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، وما تخلل ذلك من أزمات طاقة وغذاء وتلوث بيئي ونزاعات وانقسامات في المعسكرات السياسية العالمية.
لم يتوقع أحد أن تنتهي الحرب الروسية الأوكرانية خلال العام 2022، وتعددت التوقعات بين استمرارها خمس سنوات أخرى وبين انتهائها خلال السنوات الثلاثة القادمة، ولكني في هذه العجالة أزعم ولست أتنبأ، أن تنتهي تلك الحرب المفزعة خلال العام 2023، وهذه ليست مجرد بشرى نزفها للعالم، بل هي حقيقة تؤكدها المؤشرات التي تلوح أو تختبئ بين ثنايا التصريحات والبيانات وبعض الأرقام والحسابات، إضافة إلى استنادها على التاريخ والمستقبل الذي يرجوه الجميع ويسعى إليه.
يقول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخراً: «إن روسيا مستعدة للتفاوض مع جميع الأطراف المشاركة في الحرب»، ولكنه قال: «إن كييف وداعميها الغربيين رفضوا الدخول في محادثات»، وكذلك يؤكد الرئيس الروسي السابق دميتري ميدفيديف (2008-2012)، كحليف قوي للسيد بوتين: «أن الشيء الوحيد الذي يوقف أعداءنا اليوم هو إدراك أن أساسيات سياسة الدولة بشأن الردع النووي هي التي ستوجه روسيا. وأنها ستعمل بناء عليها في حالة ظهور تهديد حقيقي»، وكذلك يقول ميدفيديف: «العالم الغربي يوازن بين رغبة قوية في إذلال روسيا وإيذائها وتقطيع أوصالها وتدميرها بقدر الإمكان، من جهة، والرغبة في تفادي حدوث كارثة نووية من جهة أخرى».
هذه التصريحات، وغيرها الكثير، من الجانبين، إضافة إلى الكثير من الحقائق المتعلقة بآثار الحرب على العالم عموماً وأوروبا على وجه التحديد. وبما أنه من غير المتوقع اندلاع حرب نووية، إلا إذا وقع حادث مأساوي مخطط أو عفوي يستفز أحد الطرفين، ونقصد روسيا والناتو، وبما أن فرنسا وألمانيا إلى حد بعيد، تبحثان عن قنوات وطرق للخروج من هذا المأزق العقيم، وبما أن الولايات المتحدة سوف تحسب مرة أخرى خسارة الصين لصالح روسيا كلياً، فإن يد الرئيس الروسي الممدودة للسلام، سوف تلقى خلال العام 2023 شيئاً من التأييد الذي سيدفع للوصول إلى تعديل بعض الشروط القاسية للطرفين، وتضع الحرب أوزارها.
قد يرى البعض هذه النظرية مفرطة في التفاؤل، وسيقول البعض إنه إذا نجت أوروبا من هذا الشتاء فسوف تكون أكثر إصراراً على دعم الحرب لإخراج الروس من أوكرانيا بشكل كامل، وأن الأوروبيين سيجدون وسيلة للتفاهم مع الأميركان حول سعر الغاز الباهظ ويستمرون في فرض العقوبات على روسيا حتى إنهاكها وضرب اقتصادها عن بكرة أبيه، وسيظل هدف توسعة «الناتو» شرقاً قائماً مهما كان الثمن، وكذلك يقرأ البعض التصريحات الروسية وليس كأنها تدعو للسلام، بل إنها تدعو للمزيد من الحرب وإيجاد الغطاء والمبررات، وهذا كله، من وجهة نظري غير صحيح.
يحتاج العالم أن تنتهي الحرب الروسية الأوكرانية، قبل أن يأتي الرابع والعشرون من فبراير 2023، وهذا حلم ليس بعيد المنال، مع أن الدول والأجهزة السياسية والعسكرية التي تؤجج الحرب أكثر بكثير من الدول والأجهزة التي تحاول وقفها. لكن استمرار الأزمات ذاتها التي خلفها فيروس كورونا وفاقمتها الحرب، كالطاقة والغذاء، تجعل من الشعوب المتضررة حول العالم والأصوات التي تصرخ مستجدية تضغط على أصحاب القرار في الأروقة السياسية الصماء حتى يُسمع صوت صراخها وأنينها.
لا شك أن صوت الشعوب المتضررة لن يكون السبب الرئيسي للجلوس على طاولة المفاوضات لوقف الحرب، وستكون جميع المصالح حاضرة وبقوة لدى جميع الأطراف، وستطول قوائم المكاسب والخسائر التي قد تنتج عن اتفاقية سلام بين روسيا وأوكرانيا من جانب وبين روسيا و«الناتو» من جانب آخر. ولكني، ومع انطلاقة العام الجديد 2023 أتوقع أن تزداد شبكة الدول التي ستدعو وتضغط للسلام وستحاول بكل تأكيد إيجاد الأرضيات والتسويات التي قد يرضى بها الجميع.
نفخر في دولة الإمارات العربية المتحدة بجهودها الكبيرة لتحقيق السلام ووقف الحرب في أوكرانيا، كما نفخر بكل المبادرات التي تقدمها الإمارات لمساعدة الشعب الأوكراني بعبور هذه المحنة والتي كان آخرها إرسال دعم بنحو 2500 مولد كهربائي للمدنيين المتضررين نتيجة إلى تأثر البنية التحتية للطاقة وحدوث انقطاعات في التيار الكهربائي، وذلك لمساعدتهم على مواجهة ظروف الشتاء القاسي.

* لواء ركن طيار متقاعد