الإسلام لا يَعتد بالشعارات الرنانة والخطابات الجوفاء، بل بتقديم «النموذج» العملي الحي فحسب، النموذج الذي يتمثل في النظم والدول والمؤسسات الفعالة، وأول مثال لهذا النموذج الحي الناطق هو «الإنسان» الذي يستن بالنموذج الأمثل متمثلاً في خير البشر محمد رسول الله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم. وقد خرجت علينا خلال السنوات والعقود الماضية تنظيماتٌ ومليشيات تضع لنفسها تسمياتٍ فيها كلمة الإسلام أو اسم الجلالة من قبيل «حزب الله» و«أنصار الله».. إلخ، لكن لا أثر في كل أعمالها وممارساتها إلا للشيطان وحده.
ولهذا فقد حذّرتْ مؤخراً دولةُ الإمارات، في مجلس الأمن الدولي، من السماح للجماعات الإرهابية بحيازة التكنولوجيا، مبيّنةً أن حيازة جهات من غير الدول، ولا سيما الجماعات الإرهابية، لتكنولوجيا القذائف والطائرات بدون طيار، يعتبر تهديداً خطيراً للسلم والأمن الإقليميين والدوليين، لأنه يزعزع استقرار المنطقة ويطيل أمد الصراعات ويعمّق معاناة الملايين من الناس، مؤكدةً ضرورةَ تحرّك المجلس لمواجهة هذا التهديد وللحيلولة دون وقوع الأسلحة والمعدات التقنية العسكرية في أيدي هذه الجماعات.
الإرهاب بجميع أشكاله ينبذه العالَمُ ويعلن عن مكافحته، لكن ثمة سؤال محير لم يجد الإجابةَ عليه حتى الآن: مَن الجهة التي تقوم بتمويل هذه الجماعات الإرهابية ومدها بالسلاح والعتاد والغذاء والدواء وباقي الاحتياجات الأخرى، لكي تستمر في تهديدها للأمن والسلم؟
يمثل تنظيم «داعش» نموذجاً حياً لهذه الجماعات الإرهابية، على الرغم من الادعاءات بنهايته، مما يثير السؤالَ ذاتَه: كيف لهذا التنظيم أن يواصل نشاطه كل هذه المدة الرمنية الطويلة دون أن تكون هناك دولٌ وأطرافٌ ترعاه وتموله وتشكل له الحاضنة والسند؟ إن تنظيم «داعش» الذي أنبثق من تنظيم «القاعدة»، هو خليط هجين يضم عناصر من عدة دول ومناطق، تجمعهم أيديولوجية واحدة هي السلفية المتطرفة العنيفة.
من الصعب على هذا التنظيم الإرهابي، أو غيره من التنظيمات المشابهة، أن يواصل حربَه على عدة جبهات كل هذا الوقت، دون أن يكون هناك مَن يهرِّب له السلاح وباقي الإمدادات.. إنه أمر يصعب تصوره عملياً أو التسليم به كمسلّمة لا تقبل النقاش.
ونحن بصدد التساؤل والبحث حول هذا الموضوع، نلاحظ أنه خلال المؤتمرات الدولية والأممية العديدة، منذ إعلان الولايات المتحدة في سبتمبر 2014 عن تشكيل تحالف دولي مكون من 85 دولة للقضاء علي التنظيم، لم يتطرق أيٌ من هذه المؤتمرات للحديث عن مصادر السلاح الذي يتزود به «داعش» وغيره من التنظيمات.. رغم ما يفترض وجوده من معلومات حول هذا الملف وغيره من الملفات لدى أجهزة استخبارات الدول الكبرى المعنية بالحرب على «داعش»!
تنظيم «القاعدة» الذي تزعمه أسامة بن لادن، نفخ الإعلام الأميركي فيه هو أيضاً بالصور التلفزيونية الحية لإظهاره بمظهر الشخص القوي والخطر، كما أبرزته بعض القنوات العربية في عدة مقابلات ورسائل شعبوية، فيما واصلت أميركا إبراز خطورته بغرض تسمينه كما يُسمَّن العجلُ قُرباناً للمناسبات، وقد كان قرباناً لإعادة ترشيح الرئيس أوباما لولاية رئاسية ثانية. وهكذا تم أيضاً تسمين أبوبكر البغدادي الذي قُتل في عهد الرئيس دونالد ترامب. 
وبغضّ النظر عما سيؤول إليه حال تنظيم «داعش»، على الصعيد العسكري، في الأشهر والسنوات المقبلة، ما تزال أيديولوجيته تشكّل تحدّياً طويل الأمد للمنطقة والعالَم، خاصة مع وجود توهُّم يسكن هذا التنظيم بحلم «الخلافة»، كما يسكن أنصارَه المغيّبين عن الواقع، رغم أنهم في عصر المعلومات، لكنهم سادرون في غيهم، يخدمون أعداء الإنسانية ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل!

*سفير سابق