استقبل الأوكرانيون عيد الميلاد لهذا العام وهم في أسوأ حالاتهم وحزنهم على بلدهم المنكوبة. ويبدو أن روسيا تتكئ على توظيف طقسها البارد لخدمة أهدافها الإستراتيجية تماماً كما حدث يوم حاول نابليون بجيش قوامه600 ألف جندي غزوها، ومن بعده هتلر.
وروسيا اليوم تستثمر طقسها الشتوي القارس لاستخدامه كسلاح في حربها الشاملة ضد أوكرانيا من خلال استهداف البنية التحتية للطاقة فيها التي أثرت على أكثر من 6 ملايين شخص، حتى أن الرئيس الأوكراني زيلينسكي أكد أن هذا (الشتاء سيذكره الجميع)، وطالب مواطنيه بالصمود، خصوصاً وأن الشتاء الحقيقي سيبدأ فعلياً نهاية ديسمبر الجاري. في هكذا أجواء تحتاج أوكرانيا إلى حوالي 17 ألف مولد صناعي قوي للطاقة، ولهذا أعرب رئيس الوزراء الأوكراني عن أمله بتلبية جزء من الاحتياجات من الدول الشريكة لبلاده.
انعكاسات الحرب لا تقتصر على أوكرانيا. فالدول الأوروبية كلها تواجه أصعب شتاء لها منذ الحرب العالمية الثانية وسط مخاوف عن عدم قدرة مصادر الطاقة على تغطية الطلب، وهو ما يمكن أن يوسّع مساحة المعاناة. موجة البرد الشديد وتساقط الثلوج في دول غرب ووسط أوروبا أديا إلى اضطراب حركة النقل والمواصلات وتعطل جزئي في المطارات. وتتوقع هيئات الأرصاد الجوية استمرار انخفاض درجات الحرارة إلى أكثر من خمس درجات عن معدلاتها الطبيعية في مثل هذا الوقت من العام. في الوقت ذاته يضرب التضخم اقتصاد القارة الأوروبية وسط احتجاجات شعبية في أكثر من عاصمة كأحد أوراق الضغط الشعبي المتواصل على الحكومات لإيجاد مخرج من تلك الأزمة الخانقة التي لم تشهد لها مثيل منذ منتصف القرن الماضي.
الوضع شديد التعقيد، والولايات المتحدة ودول حلف الأطلسي تبذل جهوداً كبيرة للحيلولة دون خروج روسيا منتصرة من تلك الحرب، بل وتعمل على إلحاق الضرر بها من خلال استنزافها، لكن بالمحصلة سيواجه الشعب الأوكراني بالذات محنة كبيرة، على الرغم من أن البعض يحاولون بث الأمل في نفوس الشعب الأوكراني، متذرعين بأن الطقس البارد قد يجبر الطرفين على التوقف عن القتال ولو مؤقتاً حيث يمكن أن تضع الأحوال الجوية حداً للعمليات القتالية البرية والتي تؤخر أو تمنع تحرك القوات بسبب انخفاض درجات الحرارة والثلوج الكثيفة! لكن هل يمكن للبرد الشديد وتساقط الثلوج أن يمنع سلاح الطيران وضرباته القوية والمدمرة؟
لن تتوقف الحرب ما لم تصل جميع الأطراف إلى حل توافقي، ولن تتوقف معاناة الشعب الأوكراني إن لم تضع الدول العظمى قواعد لإنهاء تلك الحرب المجنونة التي أثرت بالدرجة الأولى على قارة بأكملها. على كل حال الأشهر القادمة سترسم صورة أوضح لمستقبل الصراع. لكن من المؤسف أن أغلبية المتابعين للحرب الروسية الأوكرانية لا يرون مؤشراتٍ في الأفق المنظور تدل على اقتراب انتهاء تلك المحنة العظيمة.
صحيح أن صورة الوضع سيئة جداً، إلا أنها ليست قاتمة تماماً. فعلى الصعيد الدبلوماسي زادت وتيرة التحركات في عدة جبهات، حيث توجه الرئيس الأوكراني زيلينسكي نحو واشنطن للقاء الرئيس الأميركي بايدن، وتلك هي أول زيارة خارجية له منذ اندلاع الحرب على بلده، وفي الوقت ذاته توجه نائب رئيس مجلس الأمن الروسي ديمتري ميدفيديف نحو الصين في زيارة مفاجئة لم يُعلن عنها مسبقاً، وفيها ناقش مع الرئيس الصيني شي جين بينغ تطورات الحرب وتداعياتها، ولا بد أن المزيد من التحركات الدبلوماسية سنشهدها خلال المرحلة القادمة.
وكل ما نأمله أن تتحلى جميع الأطراف بالعقلانية والحكمة، وتتفق على بدء محادثات سلام تضع حدا لمعاناة الملايين في أوكرانيا وما حولها.