تابعنا الأسبوع الماضي القمة الأميركية الأفريقية التي احتضنتها واشنطن، والتي شارك فيها نحو 50 من القادة الأفارقة، إذ تحاول الولايات المتحدة تدارك تأخر تواجدها الفاعل في القارة الأفريقية وإيقاف المد الصيني والروسي في هذه القارة التي يتعدى عدد سكانها المليار نسمة، أي ما يمثل نحو 15% من سكان العالم. وقد أكد الرئيس الأميركي في خطاب ألقاه خلال القمة أنه يؤيد منح الاتحاد الأفريقي عضويةً في مجموعة العشرين، وكشف أنه يعتزم زيارةَ دول في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى ستكون الأولى لرئيس أميركي منذ عام 2015. وعلى هامش القمة، أعلنت الولايات المتحدة تخصيص استثمارات بقيمة 55 مليار دولار في مشاريع بالقارة على مدى السنوات الثلاث المقبلة، بينها استثمارات في مجالات الطاقة الخضراء وتدريب العاملين في مجال الصحة وتحديث شبكات الإنترنت، كما تعهد القطاع الخاص الأميركي باستثمارات قيمتها 15 مليار دولار بعضها في قطاع التكنولوجيا الرقمية.
ولا غرابة إن كان النفوذ الصيني والروسي المتزايد في الدول الأفريقية، يثير مخاوف الولايات المتحدة، من مغبة توسع الدولتين الغريمتين لها وللغرب عموماً في هذه المنطقة، خاصة وأنه وفقاً للتوقعات ستكون القارة بحلول عام 2050 موطناً لربع سكان العالم، وبحلول عام 2075 سترتفع هذه النسبة إلى الثلث، فجزء مهم من تاريخ هذا القرن سيُكتب في أفريقيا، وتأتي القمة اعترافاً متأخراً بهذه الحقيقة.
وتفهم الولايات المتحدة الأميركية، أكثر من أي فاعل دولي آخر، تداعيات تعزيز روسيا لوجودها في القارة على مصالح واشنطن هناك، كما تفهم تداعيات إنشاء الصين لبنية طرقية جديدة عابرة للعالم في إطار «برنامج الحزام والطريق» الاستثماري الضخم، والذي أصبح بمثابة السياسة الكبرى لبكين، خاصة وأن الرئيس الصيني قد نجح في إقناع العديد من دول العالم، بما فيها دول أفريقيا، بالنسخة الحديثة لهذا الممر الاقتصادي والتجاري غير المسبوق. وبذلك يقوم العملاق الصيني بتغيير الخريطة الاقتصادية العالمية على جميع الأصعدة، من الحوكمة العالمية إلى القواعد التجارية مروراً باحترام البيئة وعمليات الاستثمار، من خلال توظيفه استثمارات كثيفة في جميع أنحاء العالم.
الصين لا تتدخل في الشؤون السياسية للدول الأفريقية، ولا تسعى لفرض توجهات فكرية أو سياسية أو قيمية بعينها، بل هي معنية بمصالحها الاقتصادية والاستراتيجية أساساً، في إطار علاقة مع شركائها قائمة على القاعدة win-win أي «رابح-رابح». 

ولعل ذلك النهج الصيني هو ما لم يفهمه العديد من الشركاء الأوروبيين لأفريقيا، وكذلك الشريك الأميركي أيضاً، ففي القمة الأميركية الأفريقية الأخيرة حرصت الولايات المتحدة على التأكيد على الديمقراطية، وقال الرئيس جو بايدن للزعماء الأفارقة إن «الولايات المتحدة ستقود دائماً بقيمها». وأردف قائلا: «دعم الديمقراطية واحترام حكم القانون والالتزام بحقوق الإنسان والحوكمة المسؤولة، كلها جزء من كياننا». ومع ذلك فإن الرئيس الأميركي دعا إلى القمة قادةً يُنظر إليهم في واشنطن على أنهم «سلطويون»، مما يعني أن أميركا تحاول تدارك تأخر تواجدها في القارة الأفريقية ولو بالتنازل جزئياً وتدريجياً عن «مبادئها»!

*أكاديمي مغربي