رغم حداثة هذه الآلية الإقليمية من المنظور الدولي، إلا أنها تعبر عن رغبة حقيقية في تجسير العلاقات وخفض مستوى الاحتقانات والتصعيد في ملفات عدة، ويأتي الاسم متناسباً والغاية مع تفاوت ما يستثمر من قبل أطرافها من حسن نوايا ورصيد دبلوماسي. إلا أن مستوى التمثيل من جانب الجهات المراقبة مثل الرئيس الفرنسي ماكرون ورئيس الدبلوماسية الأوروبية بوريل، قد يؤسس لاستدامة هذه الآلية إنْ نجحت في تحقيق اختراقات في ملفات «خلافية» من منظور الدبلوماسية الأوروبية مهما بلغ الاجتهاد من الأطراف الإقليمية في التعريف بمفهوم التباين والسياسات العدائية.
ما يُعد المحفز الأكبر للدبلوماسية الأوروبية في الانخراط بشكل أوسع في الملفات الإقليمية هو تطور موقع الدبلوماسية الاحتوائية الخليجية (خصوصاً فيما يتعلق بالانفتاح على الأطراف الإقليمية مثل طهران/ أنقرة/ تل أبيب)، برغم التفاوت النسبي في النتائج. فكلها حقق اختراقات يمكن البناء عليها مثل استدامة وقف إطلاق في اليمن، ودخول العلاقات العربية التركية مرحلة إيجابية من إعادة التطبيع السياسي من المنظور الإقليمي، وقابلية هذه الدبلوماسية للاطلاع بمسؤولية أكبر في ملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي متى اتفق الطرفان على ذلك.

أكبر مكاسب الدبلوماسية الخليجية هو التصالح النسبي ومفهوم «التباين» تفعيلاً لمبادئ «ميثاق العلا». أما ثانياً، التمهيد لمثل هذه الآلية (قمة بغداد) كقناة اتصال إقليمية مباشرة وبمشاركة دولية، مما يرفع بعض العبء أو الأعباء عن بعض الأطراف الخليجية في تفاصيل خاصة تجمعها وطهران. فتلك العلاقات الخاصة مثل الحالة العُمانية، كان لها دور فاعل في الملف النووي الإيراني والتوصل لاتفاق 2015، وكذلك في التوصل لحالة وقف إطلاق النار برعاية دولية في اليمن.
مدى تطور فاعلية الآليات الثنائية أو متعددة الأطراف يُحتم الانخراط التام والتزام الجميع بالمخرجات، وتمثيل إيران في مثل هذا الحدث الإقليمي يعد اختراقاً للدبلوماسية الخليجية مهما تفاوت تقييم ذلك. فالإيرانيون اليوم أحوج ما يكون لمثل هذه الآلية لإعادة تأهيل مكانة ملفها النووي من منظورها السياسي الخاص. أما ثانيا فهو احتواء الموقف الأوروبي من انخراطها لجانب حليفتها موسكو في الأزمة الأوكرانية. أما العلاقات الثنائية، أي الخليجية الإيرانية، فإنها من المنظور الإيراني غير ذات أولوية لعمق حالة التباين من بعض الدول الأعضاء في مجلس التعاون من طهران، في حين تأتي هذه الآلية (أي قمة بغداد) من المنظور الخليجي أداةً في جسر الهوة بين الدول الأعضاء في موقفها من طهران. أما ثانياً، فهي قادرة على تعزيز مكانة الحالة الثنائية بما يخدم الحالة متعددة الأطراف.
الدبلوماسية هي فعُل الاحتواء وتحييد التصعيد على المستويين الإقليمي والدولي، لذلك علينا الاستثمار في كل أشكال الوسائط الدبلوماسية، وعدم الإرتكان لآليات وأدوات الدبلوماسية التقليدية. وقد حققت الدبلوماسية الخليجية اختراقات كبرى ضمن التعريف الأكبر للشرق الأوسط. وهذه النماذج قابلة للتوظيف والتطوير بما في ذلك لعب دور الوسيط النزيه في أكثر من ملف دولي، واليوم تتصاعد المطالبات في واشنطن وبروكسل بأن تقبل كل الرياض وأبوظبي دور أكبر في الأزمة الأوكرانية، وذلك هو ما لا تملكه طهران.
* كاتب بحريني