عامٌ آخر يرحل بعد أن أصاب المللُ العالَمَ، وتضاعف عدم الاهتمام بالنزاعات والحروب التي بدأت ساخنةً، ثم اعتاد الجميع على التعايش مع أخبارها التي لم تعد تقدِّم جديداً، كالحرب الروسية الأوكرانية، وانتهى العام دون أن تتوقف محاولة الاستنزاف المباشر للجانب الروسي الذي يتمسك بمواقفه، ويرى في الدعم الغربي لأوكرانيا مؤامرةً ذات أبعاد عميقة.
ورغم طول أمد الحرب خلال الشهور الماضية واستمرار الكر والفر بين جانبيها، فإن مجريات الصراع لم تكن تحفِّزُ وسائل الإعلام على تناولها إلا لارتباطها بأزمة الطاقة العالمية وتأثيرها على احتياجات أوروبا من الغاز والنفط، نتيجةَ حجم الإنتاج الروسي الذي اتضح أن دولَ أوروبا كانت تعتمد عليه اعتماداً كلياً.
فيما كان كأسُ العالَم الذي نظمته قطر الحدثَ الأبرزَ الذي لفت أنظارَ الجميع، وحظي بمتابعة واسعة غطَّت على ما عداه من أحداث وأزمات طوال أيام المونديال، وحصل جمهور «الساحرة المستديرة» في كل مكان على جرعة من الحماس والشغف الذي رافق مراحل الحدث وشغل شعوبَ العالَم.
وشهد عامُ 2022 عودةَ الحياة الطبيعية، وعاد العالمُ ليتنفس من جديد وينزع الكماماتِ التي حجبت الوجوهَ بفعل تفشي جائحة كورونا، وبدأت الدولُ التخفيفَ من القيود والإجراءات التي تسبَّبت في تراجع الأنشطة الاقتصادية لما يَقرُب من عامين، فاستعادت الأسواقُ والشوارع والميادينُ حركتَها، كما استعادت المطارات والمزارات السياحية نشاطها.
ورغم ذلك لم تسلَم بعضُ دول العالَم من بروز تداعيات التضخم في الاقتصاد وظهور مؤشرات الكساد وتزايد الإضرابات العمالية في أوروبا، وعلى وجه الخصوص في بريطانيا، في مؤشر آخر على أزمات اقتصادية لا أحد يعلم إلى أين ستصل، نتيجةً لتباطؤ نمو الاقتصاد العالمي بعد جائحة كورونا، وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على صادرات الطرفين من الوقود والمواد الغذائية، وفي مقدمتها الحبوب، مما أدى إلى ارتفاع أسعار الغذاء، وتَأثرِ حركة الاقتصاد والإنتاج الصناعي في أوروبا بفعل نقص إمدادات الغاز.
وفيما يزداد المارد الصيني تعملقاً على مستوى النفوذ الاقتصادي العالمي، إضافة إلى تصاعد اللهجة بينه وبين الولايات المتحدة بشأن ملف تايوان، وخاصة أن هذه الأخيرة تتميز بصناعة الرقائق الإلكترونية التي لا غنى عنها للصناعات الدقيقة والمتقدمة.
ومن جانب آخر واصلت الصين تطوير علاقاتها مع دول المنطقة العربية، في محاولة منها لتصدير مفهوم مختلف للنفوذ، يقوم على الشراكة في المصالح والاستفادة المشتركة من المشاريع التي تتطلبها مبادرة الحزام والطريق الصينية، وهذا ما ركزت عليه القمة الصينية الخليجية التي انعقدت مؤخراً.
وعلى مستوى الشرق الأوسط، شهد العامُ 2022 دخولَ كل من ملف الحرب في اليمن والأحداث في سوريا منعطفاً يتسم بالهدوء المغلف بالجمود، وعدم التوصل إلى حلول حاسمة تبشر بمستقبل يجلب الاستقرار المستدام في البلدين، على أسس واضحة ترضي مختلف الأطراف.
ويبقى الملف الفلسطيني مفتوحاً من دون مبادرات جديدة، مع انشغال الجانب الإسرائيلي بأزمات سياسية وانتخابات واستقطابات أعادت رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو إلى الواجهة، والذي دفع ثمن العودة إلى الأضواء على شكل تحالفات مع أحزاب من أقصى اليمين.
ولعل الحدث الأبرز شرق أوسطياً، خلال الأشهر الأخيرة من العام 2022، هو الاحتجاجات التي شهدتها إيران على خلفية مقتل شابة قبل أشهر من إيران، وهي احتجاجات تمثل على ما يبدو جيلاً من الشباب الإيرانيين الغاضبين.

*كاتب إماراتي