إن نجاحَ رئيس الوزراء الإسرائيلي المكلف بتشكيل الحكومة، بنيامين نتنياهو، أمر محسوم، بصرف النظر عما جرى من مهاترات داخل الائتلاف المزمع تشكيله، والذي يضم المكونات اليمينية المتشددة، وعدداً من الوزراء غير المسموح لهم بالعمل في السياسة وأحزابهم ممنوعةٌ لاعتبارات متعلقة بأمن إسرائيل القومي من دخول الحياة السياسية منذ سنوات ما بعد تشكيل حركة «كاهانا حي» التي حظرت نشاطَها الحكومةُ الإسرائيليةُ في التسعينيات. ومن الواضح أن مسارَ تشكيل الحكومة الجديدة مضى في طريقه ووصل لمحطته الخيرة بتوافقات مؤقتة، بصرف النظر عن المزايدات الجارية، والاشتراطات التي ساقتها الأحزابُ قبل التحاقها بالائتلاف والانضمام الرسمي له، فقد ضغطت علي رئيس الوزراء المكلف نتنياهو للتسليم ببرنامج عام قائم على فكرة استئناف سياسة الاستيطان رسمياً، وإقرار الخطط المكملة لمشروع القدس الكبرى 2075، وتقنين وضع البؤر الاستيطانية الكبرى مع عدم ملاحقة بعض الوزراء الكبار الذين ما زالوا يحاكمون في قضايا نصب وفساد واحتيال على غرار ما يجري لنتنياهو نفسه، والذي ما زال يواجه تهماً متعددةً يُحاكَم فيها أمام القضاء منذ سنوات. ومن ثم فإن الإشكالية الكبرى ستكون مرتبطةً بوضع الاستقرار المحتمل في الدولة، وكيف سينعكس مناخ الابتزاز السياسي والحزبي على أداء الحكومة الجديدة، وهل سيكون برنامجها المعروف متسقاً مع رؤية وتوجهات أعضائها؟ فالبرنامج سيستند علي مقومات راسخة لحكم اليمين الحاكم في ملفات الاستيطان، ورفض قيام دولة فلسطينية مستقلة مع البقاء في القدس موحدةً، ورفض أية خطوات جادة لاستئناف سياسة المفاوضات وفقاً لأية مرجعية، وهو ما عبَّر عنه نتنياهو من خلال ة مقاربة ترفض قيامَ السلطة الوطنية الفلسطينية بأية مراجعات، وكل ما هو مطروح البقاء في نفس المكان، مع التركيز على بقاء سلطة تؤدي دورَها في التنسيق الأمني. ومن ثم فالسؤال الذي يشغل إسرائيل مع تشكيل حكومتها الجديدة هو: كيف ستعمل؟

وفي ظل أية مقاربة ثنائية مع الجانب الفلسطيني أولا ثم مع الجانب العربي والإقليمي؟ خاصة وأن نتنياهو ليس وجهاً غريباً، ولن يحكم ببرنامج جديد فأغلب توجهاته معلومة، وسبق وأن تعاملت الدول العربية مع نهجه، وإنما المشكلة في هذه الوجوه الجديدة التي انضمت لحكومته، وأغلبها يراهن على ضرورة إنهاء هيمنة «الليكود» علي مقاليد الأوضاع في إسرائيل لتحل بديلا عنه حركاتُ اليمين الجديدة، وهو ما يدركه رئيس الوزراء المكلف، وسيحاول منعَه من داخل «الليكود»، خاصة وأن صراعَه مع صقور «الليكود» لم يُحسَم بعدْ، ومن ثم فإنه سيضع على رأس الأولويات تصفية القوى المناوئة له في الساحة الحزبية داخل الحكومة وخارجها، بل وسيعمل على حرث الأرض تحت أقدام أي طرف سيحاول دفعه نحو حافة الهاوية، خاصة وأن المعارضةَ في الكنيست وخارجه أضعف من أن تكون نداً مواجهاً، بل المطروح بقوة هو التحرك علي مسارات متعددة، وفي اتجاه تحقيق المصالح الكبرى لـ«الليكود» بغية الاستمرار في الحكم، خاصة وأن مساحات الخلاف حول السياسات المالية والنقدية والضرائبية ليست كبيرة بل ستكون في إطار التوزيع السلطوي للموارد الموجودة، والتي يمكن أن تكون مدخلا لفهم ملف إدارة الموازنة العامة، وتوفير المخصصات والإعاشة، وتوجيه الموارد للتعليم والصحة والإنفاق المالي والنقدي للفئات والشرائح المطلوب دعمها. ومن ثم فإن الحكومة ستتعرض في البدايات الأولى لممارسة مهامها لاختبارات قاسية وصعبة، ومن الصعب التوصل لحلول نهائية حقيقية يمكن التعامل معها في المديين القصير والمتوسط، وبالتالي فإن الحكومة ستعمل في نطاقات محددة بصرف النظر عن اعتمادها على مكون يميني متشدد سيعمل في اتجاه واحد، وعبر إستراتيجية ممتدة ومن خلال مصالح محددة، ولو عبر مزيد من المساومة والابتزاز واستعمال وسائل الضغط والنفوذ في مواجهة تكتل «الليكود» الذي لن يعمل وفق سياسة تصادمية بل موحدة، مع القبول بحلول توافقية لتمضي الحكومة في تنفيذ برنامجها دون الاصطدام بالمجتمع الدولي جراء ما ستتبناه من مواقف وتوجهات.

*أكاديمي متخصص في الشؤون الاستراتيجية