مبادرة أكثر من رائعة، وتصرف ذكي جداً حين اقترن مسك الختام لتتويج بطولة كأس العالم لكرة القدم بالبشت الخليجي كترسيخ لاستضافة هذا المحفل العالمي الناجح في دولة خليجية أبهرت العالَمَ بتنظيمها الرائع واستيعابها الكبير للحدث بفعالياته الكروية العظيمة وأعداد ضيوفه التي تجاوزت المليون من مختلف أرجاء العالم.. فجاء التتويج لتسليم كأس العالم للمنتخب الأرجنتيني مؤطَّراً بمبادرة الشيخ تميم بن حمد بتتويج اللاعب الأرجنتيني ليونيل ميسي بالبشت الخليجي كرسالة للعالَم أجمع وملمحاً جميلاً للهوية الخليجية والعربية وإسباغ البطولة بالزي العربي الأصيل.. وهذا أقل مما ينبغي فعله تجاه رعاية دولة خليجية لمحفل كبير بحجم المونديال. ويبدو أن الرسالة لم تخطئ طريقَها، بدليل الصدى الإعلامي الكبير الذي أحدثته حول العالم، سلباً أم إيجاباً، لكنها الرسالة «وصلت». 
استمتع العالَمُ أجمع بشهر كامل من الحماس والبطولات والمباريات المتميزة، أداءً وإدارةً، ختمت بملحمة كروية عظيمة توشّحت بعدها الأرجنتين بـ«بشت الفوز وكأسه»، والأكيد أنه المونديال الأجمل عالمياً على الإطلاق، بعد أن نجحت قطر في تقديم نسخة رائعة، حفلت بمنافسات كروية عالمية على ملاعب ضخمة ومستويات عالية من البنى التحتية العملاقة. وهنا يجب التذكير بالرهانات الغربية الخاسرة حول عجز قطر عن الاستضافة، والكواليس الخلفية السلبية التي أعقبت المونديال، خصوصاً فيما تعلق بالبشت الخليجي واللغط الكبير حول ارتداء ميسي له.
لقد فرِح الجميعُ لأسطورة الكرة ميسي، كونه شرّف بلادَه والكرةَ العالميةَ قاطبةً وهو في نهايات تاريخه الكروي، حين حمل كأسَ العالم بيده متوشحاً البشتَ الخليجي الذي سيكون حتماً علامةً فارقةً في تاريخ هذا المونديال المتميز وذكرى لا تضاهيها أية ذكرى سابقة سوى الذكرى التي اعتمر فيها اللاعب الأرجنتيني الراحل دييغو مارادونا قبعة سومبريرو المكسيكيةَ في مونديال المكسيك عام 1986 بعد فوز الأرجنتين بالبطولة آنذاك، أي الذكرى التي خلدها مارادونا البطل الكروي الأسطوري الذي كنا نحسبه لا يتكرر حتى حمل ميسي كأسَ العالَم بعد ملحمة الختام لمونديال قطر.
كأس العالم 2022 هي النسخة الثانية والعشرون من بطولة كأس العالم  التي تقام كل أربع سنوات ، وحصلت قطر على تنظيمها في نوفمبر 2010، ومنذ ذلك الحين حققت قفزات عالية في بنيتها التحتية وجودة محافلها الرياضية. وقد أكدت بعض التوقعات أن يدر المونديال نحو 9 مليارات دولار من الأرباح تأتي في معظمها من الإنفاق السياحي والأنشطة الاقتصادية المصاحبة، علماً بأن تكلفة إنفاق قطر على المونديال كانت الأعلى على الإطلاق مقارنةً بجميع الدول التي سبق أن استضافت الحدث. 
نجاح المونديال في الشقيقة قطر هو نجاح للخليج كله، بل للعالم العربي برمته، وحسن إدارة هذه النسخة من المونديال، وتنظيمه ببراعة واحترافية وذكاء، هو بمثابة رسالة واضحة تؤكد قدرات هذا المنطقة وتطور إمكانياتها وشغف قياداتها بالتقدم والتطور وكرم ضيافة شعوبها وتعدد ثقافاتها وجمال تراثها. وقد جسّد «سوق واقف» لوحده أجملَ مثال لنشر التراث الخليجي بفعالياته وبضائعه والفعاليات الجميلة والعفوية التي أبهرت الزائرين، وطبعت في ذاكرتهم صوراً جميلة عن منطقة الخليج التي امتزج حاضرُها بماضيها.

*كاتبة سعودية