نجحت بكين حيث أخفقت واشنطن وموسكو خليجياً في تطوير مناظير غير تقليدية لعلاقاتها مع دول الخليج العربية، خصوصاً بعد ما أثبتت براغماتيتها الدبلوماسية نجاعة مبدأ التعاون بدل الارتهان بمبدأ المحاصصة القطبية. والعلاقات باتجاه الشرق مُرشحة للنمو، ولن تُختزل في الصين فقط.

فالعلاقات مع كل من كوريا الجنوبية واليابان ستواصل نموها كونهما شريكين استراتيجيين للمنطقة على عدة صُعُد، ولن تبقى طويلاً محصورة في المجال التجاري الصناعي والمعرفي فقط. فكوريا الجنوبية تُعد من الدول الصاعدة في مجالات علوم الدفاع والتكنولوجيات المتقدمة متعددة التطبيقات، والتي تطمح المنطقة لتطوير آليات تعاون مشترك معها وتوطين بعض تلك المعارف، كما يحدث مع كافة الشركاء الاستراتيجيين. إفراط واشنطن في التحسس من أي مقاربة خليجية صينية ليس له ما يبرره، إنْ احتكمنا لما يمكن أن تنتجه جملة التقاطعات من مكاسب لمصلحة جميع الأطراف. فقد وجدت بكين ضرورة في مغادرة مربع مهادنة إيران نسبياً في ما يتعلق ببعض الملفات الإقليمية.

وكان من الممكن أن تستثمر واشنطن ذلك الموقف في تطوير مفاهيم إقليمية قادرة على تشجيع طهران على إعادة التفكير في الكثير من ملفاتها الخلافية، الإقليمي منها والدولي.

الشرق الأوسط هو رمانة الميزان في كافة المقاربات الاستراتيجية المستقبلية، فهذه المنطقة مفتاح أفريقيا وحوض المتوسط، وكذلك ذات تأثير متصل بالشرق الأدنى وآسيا الوسطى، وقد أثبت هذا الشرق الأوسط - بقيادة النموذج الخليجي- أنه قادرٌ على اجتراح مقارباتٍ غير تقليدية وأهمها تفعيل قيمة الجغرافيا السياسية المُعطلة (المواثيق الإبراهيمية).

أمن الطاقة يقتضي الاستقرار السياسي أولاً، ومن ثم سلامة وأمن وسائط الإمداد وطرقها (براً وبحراً)، مما يستدعي تضافر كافة الجهود بدل الاستثمار في استدامة عدم الاستقرار من قبل الأقطاب الكبرى، وأفريقيا أكبر الأمثلة على ذلك. فهل ستتحول نماذج المقاربات السعودية الإماراتية باتجاه أفريقيا إلى منصات محفزة لمقاربات قطبية تفيد أفريقيا وتحقق مصالح جميع الأطراف؟

لكل من الولايات المتحدة، أوروبا والصين طموحات كبرى في الشرق الأوسط وأفريقيا، وتكمن الإشكالية في إعادة التعريف بتلك الطموحات خارج سياق الأطماع، وقد اختزل هنري كيسنجر ذلك في مقابلته الأخيرة مع معهد لووي Lowy Institute بتاريخ 13 ديسمبر الجاري: «لا يمكننا التعاطي مع مفهوم الهيمنة من منظورين، أي اعتباره هيمنة عدائية عندما يمارسه الآخر، في حين لا يعتبر هيمنة عندما نمارسه نحن». وهنا يكمن حجر الأساس في تعثر السياسات الأميركية، فغياب فهم دورها القيادي استراتيجياً قاد لإشكاليات داخلية وخارجية.

فاحتواء الصين يجب أن يقوم على الندية الاقتصادية وليس السياسية، والولايات المتحدة قادرة على تفعيل مكانة حلفائها الأوروبيين وفي الشرق الأوسط لتحفيز ذلك. كذلك يتعين على الولايات المتحدة إدراك أن البترودولار الخليجي لم يعد أداة سياسية أميركية، بل مسرع استراتيجي خليجي قادر على تحفيز الاستقطابات بما يخدم مصالحة وبشروطه، وكذلك إعادة التعريف بقيمة الاستقرار السياسي بدل العبثية السياسية. فهل ستدرك واشنطن بعض رسائل قمم الرياض والصين وأحدها اعتماد الرياض مبدأ سياسة الصين الواحدة؟ وليراجع السادة في البيت الأبيض تاريخ وأصل ذلك المبدأ.

* كاتب بحريني