أسفرت الانتخابات الأخيرة في ولايتي غوجرات وهيماتشال براديش الهنديتان عن نتائج متفاوتة، مؤكدةً أن الديمقراطية حيّة وعلى ما يرام. فقد فاز حزب «بهارتيا جاناتا» الحاكم في ولاية غوجرات (الغرب) بينما فاز حزب «المؤتمر» في ولاية هيماتشال براديش (الشمال). وفي الوقت نفسه، صعد حزب «عام آدمي» إلى الواجهة بسرعة باعتباره قوة سياسية لا يمكن تجاهلها. 
في غوجرات، لم يشكّل فوز «بهارتيا جاناتا» مفاجأةً كبيرة، لكن عدد المقاعد التي حصل عليها، رغم أحاديث عن سوء الإدارة، يُظهر الشعبيةَ التي يحظى بها رئيس الوزراء ناريندرا مودي في الولاية التي ينتمي إليها. وكان مودي، الذي أدرك أن المزاج العام في غوجرات يمكن أن يكون مناوئاً لحزبه، قد بدأ خوضَ حملة انتخابية مكثفة في غوجرات، مذكراً الناخبين بالفترة التي قضاها كرئيس لوزراء الولاية ومؤكداً على فخره بالانتماء لغوجرات. ففي كل تجمع انتخابي، كان يذكّر الناخبين في غوجرات بالشعور بالفخر لكون كل من رئيس وزراء الهند ووزير الداخلية الهندي ينحدران من غوجرات. 
«بهارتيا جاناتا»، الذي يوجد في السلطة في غوجرات منذ 27 عاماً، حصل على 156 مقعداً من أصل مقاعد «الجمعية التشريعية» الـ182، في حين حصل حزب «المؤتمر» على 17 مقعداً فقط، وحصل حزب «عام آدمي» الذي خاض أول انتخابات في هذه الولاية، على 5 مقاعد. وتُعد ولاية غوجرات معقل حزب «بهارتيا جاناتا»، إذ يُنسب الفضل إلى مودي في تحويلها إلى مركز اقتصادي خلال 13 عاماً التي كان فيها رئيس وزراء الولاية، بين 2001 و2014. وقد خاض مودي حملة قوية ومكثفة، لكن شعبيته وشعاره المتعلق بفخر الانتماء لغوجرات هما أكثر ما ساعد الحزب على تحقيق فوز كاسح. 
وفضلاً عن ذلك، يُعتقد أن دخول حزب «عام آدمي» الصاعد مؤخراً، والذي خاض أول انتخابات في هذه الولاية، أضعف أصوات حزب «المؤتمر». والحق أن حزب «المؤتمر» وعائلة غاندي لم يركزا على انتخابات «الجمعية التشريعية» في غوجرات بعد أن علما بوصول عمال «بهاراتيا جاناتا» بأعداد ضخمة من أجزاء أخرى من البلاد ومن الخارج. وتُظهر نتائج غوجرات أن الفوز ليس له علاقة بقادة الحزب الآخرين وأن له علاقة قوية بمودي وحملته المكثفة. 
ولئن كان لدى «بهاراتيا جاناتا» هالة الحزب الذي لا يُقهر حين أتى إلى الانتخابات في غوجرات، على اعتبار أنه اكتسب سمعة كونه «ماكينة انتخابية» لا تتوقف، فإن النتائج التي حققها في ولاية هيماتشال براديش تُعد مقلقةً له. ذلك أن حزب «المؤتمر» فاز بالانتخابات في ولاية هيماتشال براديش، حيث حصل على 40 مقعداً في الجمعية التشريعية التي يبلغ عدد مقاعدها 68، بينما لم يحصل «بهاراتيا جاناتا»، الذي ما زال في السلطة هناك، إلا على 25 مقعداً فقط. ورغم أن مودي خاض حملة انتخابية في هيماتشال أيضاً، فإن تركيزه ظل منصباً على ولاية غوجرات بشكل رئيس. 
هذه المجموعة من انتخابات الولايات جلبت قرص الضوء أيضاً إلى حزب «عام آدمي»، الذي يوجد في السلطة في 3 ولايات، هي دلهي وبنجاب وغوا، ويسعى إلى توسيع حضوره السياسي عبر البلاد. الحزب، الذي يبلغ عمره 10 سنوات فقط، خرج من رحم حركةٍ مناهضةٍ للفساد. وقد جذب في البداية أنصاراً من مختلف مشارب الحياة على أمل تحسين النظام السياسي. ولئن كان الآن يشبه أي حزب سياسي آخر، فإن زعيمه أرفيند كيجريوال، كبير وزراء دلهي، لديه طموحات وطنية، وقادة حزبه شرعوا في التحدث عن معركة بين مودي وكيجريوال منذ مدة. 
ومن الواضح أن حزب «عام آدمي» تحدوه طموحات كبيرة، وقد بلغ الآن مرحلة بات فيها قادراً على تحدي «بهاراتيا جاناتا» الحاكم. والواقع أن الحزب لم يكن من المتوقع أن يفوز في غوجرات، لكن حملته القوية جداً اعتُبرت مؤشراً ومقدمةً للقفز إلى المشهد السياسي الوطني. ذلك أن ما فعلته الخمسة مقاعد التي حصل عليها في غوجرات هو أنها سمحت له بالتقدم بطلب الحصول على صفة حزب وطني، وذلك على اعتبار أن لديه الآن حضوراً في أربع ولايات هندية. ويذكر هنا أن ثمة 8 أحزاب سياسية فقط معترف بها كأحزاب وطنية في الهند. 
وعلى بعد 17 شهراً فقط من الانتخابات العامة، اكتست انتخابات الولايات طابعاً استعجالياً جديداً. ولئن كان الناخبون الهنود أذكياء ويصوّتون وفق اعتبارات مختلفة في الانتخابات الوطنية وانتخابات الولايات، فإن هذه المجموعة من انتخابات الولايات تُعد بداية الفترة المؤدية إلى انتخابات 2024 العامة التي سيسعى فيها مودي للحصول على ولاية ثالثة كرئيس للوزراء. ولا شك أن «بهاراتيا جاناتا» حصل على دَفعة قوية من خلال فوزه في انتخابات ولاية غوجرات. وهذا الفوز يتوقع أن يبثّ الحماس في كوادر الحزب، وهو ما يُعد أساسياً لأي حزب سياسي. 
ولا شك في أنه ستكون لدى الهند استحقاقات انتخابية أخرى ستذهب فيها ولايات مثل راجستان ومادهيا براديش وتشاتيس غره وكرناتكا إلى مكاتب الاقتراع قبل انتخابات 2024 العامة. غير أن ما أظهرته نتائج الانتخابات في غوجرات وهيماتشال براديش هو أن الديمقراطية الهندية حيّة وبخير، وأنه لا ينبغي لأي حزب أن يعتبر تصويت الناخبين له للعودة إلى الحكم من المسلّمات. 

*رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي