الدول العميقة يرتفع شأنها، كلما كان إنسانها العمود الفقري لبناء حضارتها. في العام 1968، كانت زيارتي الأولى للبحرين من وحي المصادفة، حيث رآني صديق الوالد رحمهما الله في طريق عودتي إلى المنزل، فقال: إني مسافر إلى البحرين، هل لك رغبة مصاحبة، بعد أن تستأذن الوالد؟
فكرة السفر في ذاك العمر لم تكن واردة أصلاً في خيالي، فاستأذنت أبي فلم يتردد لحظة في السماح لي مع هذا الرجل الأمين. 
سبب الزيارة صديق العائلة، صلة الرحم، فوجئت بانفتاح هذا المجتمع على الحضارات الإنسانية، لأني أول مرة أخرج من قوقعة المجتمع المحافظ.
عندما سمع الجيران بوجود ضيف من دبي تنافسوا على استضافته، إلى ساعة العود للبلد. البحرين أول دولة خليجية، تضاء بأنوار الكهرباء، يوم أن كانت الجزيرة العربية تمضي لياليها على أضواء الشموع و«الفنر» العابر للكيروسين، يقول أحد وزراء الكهرباء من إحدى دول مجلس التعاون في أول زيارة له للبحرين في طفولته، لقد انبهرت بالكهرباء، وتمنيت لو الأمر بيدي لتركت الأنوار مضاءة في بلدي طوال العام.
وهو ليس عجيبا على حضارة «دلمون» الممتدة في جزيرة البحرين وشرق الجزيرة العربية في الألفية الثالثة قبل الميلاد، وعرفها السومريون بأرض الفردوس وأرض الخلود والحياة.
وقد أُدرجت مقابر دلمون على لائحة التراث العالمي في عام 2019، وفقا لقرار لجنة التراث العالمي، التي عقدت اجتماعاتها في أذربيجان. 
بعد الإنسان، يأتي الماء شريان حياته مذ غابر الأزمان، بل من عجائب الزمان، أن تكون البحرين مركز التقاء العيون الحلوة في وسط الماء المالح، كما قال المولى في كتابه العزيز «مرج البحرين يلتقيان، بينهما برزخ لا يبغيان» سورة الرحمن/ الآية (19-20).
من هنا جاءت شهرة عين عذارى، والتي تعتبر من أشهر وأكبر الينابيع تدفقا في مملكة البحرين إذ كان معدل تدفق المياه فيها 450 لتراً في الثانية عام 1924 وانخفض تدفقها ليصل إلى 267 لتراً في الثانية عام 1953 حيث كانت آخر عين في البحرين ينخفض فيها معدل التصريف مما يدل على غزارة مياهها البالغ عمقها نحو ستة أمتار في جوف الأرض. 
وقد عرفت مملكة البحرين في الكتب التاريخية بـ«دلمون» اعتقاداً بأنها تعني ماء عذباً صالحاً للشرب وسط البحر، كما اشتهرت في السابق بين دول المنطقة بجزيرة «المليون» نخلة. 
بعد عيون الماء، جاء دور ماء العقول في ثقافة عالمية من محيطات وبحار وأنهار البشرية، كانت البحرين فيها الأولى، لقد أسست أول دور للسينما على مستوى دول الخليج، بل وقد بعث حاكمها آنذاك بطاقة دعوة خاصة للشيخ سعيد آل مكتوم، باني عمود التعايش السلمي في دبي، لحضور عرض أول فيلم، وقد لبى الدعوة بالسفر جواً في تاريخ المنطقة. 
ماذا عن الوقت الحاضر، وبين دولتين متحدتين في الرؤى بمختلف القضايا الإقليمية والعالمية، فالإمارات عام 2011 كانت ضمن قوة درع الجزيرة، وجعلت من جنودها دروعاً حصينة منعت جر البحرين عنوة إلى مهب رياح لهيب «الربيع العربي» الخادع. اليوم الإمارات والبحرين تصلان رحم السلام العالمي بمداد من التسامح والانفتاح وميزان اعتدال الإسلام.

* كاتب إماراتي