التهديد والوعيد الذي أطلقه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مطلع هذا الأسبوع، أثناء حضوره قمة في «قيرغيزستان» لتحالف اقتصادي يضم جمهوريات سوفييتية سابقة، والذي قال فيه إن روسيا «ستمحو أي دولة تتجرأ على مهاجمة روسيا بأسلحة نووية من على وجه الأرض» ليس مجرد تصريح عابر ولا بيان مقتضب أو رد على سؤال، بل إن ما قاله الرئيس الروسي أيضاً خلال القمة، حول العقيدة العسكرية الروسية، يدلل أنه يتم التخطيط بشكل مركّز، لما تريد روسيا أن تفعله حقاً، في حال توسعت الحرب أكثر، أو تبين مهاجمة روسيا بأسلحة نووية أو ضربات وقائية. 
العقيدة العسكرية هي مجموعة من المبادئ والمفاهيم التي يتم تبنيها سلفاً بشكل رسمي لدولة ما، والتي تضم قواعد وإجراءات وتدابير أساسية يجب اتباعها في حالات معينة مثل تهديدات ضد الدولة في الحرب (جادة أو غير جادة)، أو تحرك عسكري باتجاه حدود الدولة من أي نوع (جوي، بري وبحري) أو إعلان حرب من دولة أو دول أخرى، أو حتى التهديد من الجماعات الإرهابية التي تحتاج تدخلاً عسكرياً، وتضمن هذه القواعد والإجراءات حماية الدولة والأمن الداخلي والحدود الطبيعية لها، بمعنى أن العقيدة العسكرية تمثل سياسة الدولة المُتبناة عسكرياً لتهيئة البلاد والقوات المسلحة وفرق الدفاع وتحضيرها لتكون على أهبة الاستعداد في حالات معية.
العقيدة العسكرية يمكنها أن تكون هجومية أو دفاعية، ويمكن تغييرها بطريقة يتم الاتفاق عليها بين قيادة الدولة والجهات المعنية ومنها قيادة القوات المسلحة، وأحياناً يتدخل السياسيون والاقتصاديون لتغيير العقيدة العسكرية من هجومية إلى دفاعية، حين يعم السلام في المنطقة أو الإقليم الذي توجد فيه الدولة، فيمارسون ضغوطهم مثلاً للتقليل من الإنفاق العسكري، فبعد انهيار الاتحاد السوفييتي، أقرت القيادة الروسية عقيدة عسكرية جديدة في العام 1995 تمثلت في تحديد العقيدة العسكرية حول خطرين أساسيين يواجهان روسيا، الأول توسع حلف «الناتو» باتجاه الدول التي كانت جزءاً من الاتحاد السوفييتي ودول أوروبا الشرقية، والخطر الثاني الذي يجب التركيز عليها، هو حماية الأقليات الروسية من أية أخطار محدقة في دول كانت ضمن الاتحاد السوفييتي، وفي العام 2010 تغيرت بعض بنود العقيدة الروسية لتجعل من «حلف الناتو تهديداً كبيراً لروسيا الاتحادية»، ولكن في 23 ديسمبر 2014 صوّت البرلمان الأوكراني على إلغاء حياد أوكرانيا، وتقدمها بطلب الانضمام إلى «الناتو»، والذي دفع بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في 26 ديسمبر 2014 أن يصادق على تغيير العقيدة الروسية، بخصوص تهديدات الناتو، لتصبح: «حلف شمال الأطلسي (الناتو) يشكل التهديد الأساسي لروسيا الاتحادية».
ما أعلنه الرئيس الروسي بوتين، مطلع هذا الأسبوع، حين تتطرق للحديث عن العقيدة العسكرية الأميركية، التي تتضمن تفويضاً بشن «ضربة نووية وقائية»، وأن روسيا تفكر في تبني المفهوم الأميركي في «استخدام الضربات العسكرية الاستباقية»، ليس تهديداً بإعلان الحرب على الناتو، لكنه تعني بكل وضوح أن روسيا تعمل حالياً على مراجعة وثيقة عقيدتها العسكرية فعلاً، وأن هناك توصيات بتبديلها مرة أخرى، نظراً لكل ما يحدث في ساحة الحرب وللعقوبات المفروضة على روسيا، إضافة إلى محاولات خنق روسيا بتحديد سعر النفط الروسي عند سقف معين وغيرها.
ما أضافه الرئيس الروسي، حول توفر أسلحة روسية متقدمة تفوق سرعة الصوت (أسلحة فرط صوتية) ستضمن لروسيا الرد بقوة إذا تعرضت للهجوم، ليس تهديداً بالحرب أيضاً، بل تخفيفاً لأية تهديدات قد تصل إلى «حرب عالمية نووية»، وكذلك، وحسب وجهة نظري، هي مبادرة من أجل السلام، لكن بلغة قوية وأسلوب ديبلوعسكري روسي، يضمن القول أن العقيدة العسكرية الروسية الجديدة: «أننا لن نهاجم أحد بأسلحة نووية، ولن نستخدم ضربات استباقية، فإذا رأيتم باباً للسلام فـ(ادخلوا آمنين)».
قد يجد الرئيس الروسي في الغرب، من يقرأ رسائله العديدة المشفرة، بأنها ليست تهديداً بالحرب على الإطلاق، وقد يجد آذاناً صاغية لا تخشى السلام، ولا تخاف (أن تمكر بهم) روسيا للحصول على اتفاقية سلام توّسع من مساحتها الطبيعية أو تزيد من قدراتها السياسية والعسكرية، بل يدركون بشكل واقعي، أن كل ما تريده روسيا هو إبعاد الخطر الكبير أو الأساسي الذي يُهدد حدودها وأمنها القومي، والذي كان من الممكن حدوثه بكل بساطة، قبل اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير 2022.

* لواء ركن طيار متقاعد