من يستطيع أن يتنبأ بدقة أي أنواع الحيوانات في العالم التي ستكون هي الناقل الرئيسي للأوبئة الكبرى القادمة، أو التي ستعود للظهور مجدداً لتشكل التحدي الأكبر الذي سيواجه صحة الإنسان في العقود القادمة؟ ووفقاً لخدمة فحص صحة الحيوان والنبات (APHIS) التابعة لوزارة الزراعة الأميركية فإن ما يصل إلى75 % من الأمراض المعدية الناشئة في البشر هي حيوانية المصدر، مما يؤثر على صحة كل من البشر والحيوانات، ناهيك عن المخاطر التي يشكلها الاتصال المستمر بين الإنسان والحيوان، ودور المضادات الحيوية والأدوية المضادة للفيروسات في إضعاف مناعة الإنسان والحيوان معاً. 

تغذية الإنسان اليوم تعتمد بشكل رئيسي على المنتجات الزراعية واللحوم والدواجن والأسماك التي يتم الحصول عليها من البيئات المغلقة براً وبحراً، وذلك مما يجعل من الزراعة المعاصرة حبيسة الأسمدة الصناعية ومضادات التلف وأدوية الحماية من الأوبئة، والتعديل الوراثي والزراعة الانتقائية للثمار لكي تلائم الاستهلاك العالمي وتُحقق المبيعات المرجوّة، ولكي تصبح صالحة لفترة زمنية أطول وتأتي في أحجام وأشكال لا تشبه ما كان يتناوله أجدادنا قبل مائة سنة، حيث لم يكن لون البطيخ ولا الطماطم على سبيل المثال أحمر قطعاً.
والتحدي الأكبر القادم هو مقاومة مضادات الميكروبات أو بعبارة أخرى انخفاض فعالية الأدوية المضادة للميكروبات، حيث يتوقع أن تصبح الميكروبات مثل البكتيريا أو الفيروسات أو الطلائعيات، أو الفطريات مقاومة لمعظم أو كل المضادات الحيوية أو مضادات الفيروسات أو مضادات الفطريات مما يؤدي إلى زيادة معدل الوفيات بين البشر، وقد حددت العديد من المنظمات بما في ذلك شبكة العدوى الناشئة IDSA، ومركز السيطرة على الأمراض الأميركي ومنظمة الصحة العالمية أن مقاومة المضادات الحيوية البكتيرية على وجه الخصوص هو تهديد متزايد وبوتيرة تحير العلماء، ناهيك عن أن أحد أكبر مخاطر المضادات الحيوية في وقتنا الحاضر هو الإفراط في استخدام المضادات الحيوية لدى الإنسان وخاصةً الأطفال، وفي المجال الزراعي الحيواني، مما يعني أن مناعة البشر لربما تكون أضعف من أي فترة سابقة مرت على البشرية.
ولتحسين مكافحة البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية سيتبنى العالم أساليب جديدة لمكافحة مقاومة المضادات الحيوية، تتضمن تحديد السلالات الجديدة من البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية، وتحديد سمات مقاومة المضادات الحيوية التي قد تمتلكها البكتيريا وتتبع العلاقة بين السلالات المختلفة، بالإضافة إلى فهم استجابات المضيف أو الجسم المستقبل للعدوى الفيروسية بشكل أفضل، وتحسين فهم الظروف الفسيولوجية التي يسببها المرض، وهي أمور تستغرق وقتاً طويلاً وجهداً منقطع النظير من دون وجود ضمانات على النجاح، ولذلك لا بد من ارتفاع التمويل البحثي لتطوير منهجية لتحديد مصدر العدوى البكتيرية المقاومة للمضادات الحيوية في المرضى قبل وصولهم للمستشفيات وفي المستشفيات، حيث يمكن أن تكشف الكتابة المنهجية للبكتيريا في المرضى في المستشفى عن أنماط العدوى، التي يمكن استخدامها لتحديد السلالات الناشئة في المجتمع، وربما ربط هذه السلالات بالمصدر. 
والتحدي الذي يحتاج لمعالجة فورية هو تطوير مضادات حيوية جديدة، وتطوير منتجات جديدة مضادة للميكروبات يمكن استخدامها بدلاً من المضادات الحيوية عند الإنسان وفي الثروة الحيوانية. 

شركات الأدوية ابتعدت إلى حد كبير عن تطوير مضادات حيوية جديدة، لأنها ليست مربحة مقارنة مع فئات أخرى من الأدوية، مما يقودنا مجدداً لنقطة تمويل البحث العلمي لتحديد الأدوية التي يمكن استخدامها كبديل للمضادات الحيوية، وذلك من أجل تقليل استخدام المضادات الحيوية في الصناعة الزراعية والحيوانية وبين البشر، لمواجهة الارتفاع المتوقع في البكتيريا الخارقة التي تفوق فعالية الدواء ولا تستجيب لمضادات الميكروبات وتتسبب سنوياً في وفاة 700000 شخص على مستوى العالم، وتقدر منظمة الصحة العالمية (WHO) أنها ستتسبب في وفاة 10 ملايين إنسان سنوياً بحلول عام 2050.
* كاتب وباحث إماراتي في شؤون التعايش السلمي وحوار الثقافات