تمضي تطورات الملف الليبي إلى مسارات متعددة وخيارات متنوعة أغلبها سبق، وأن طُرح، ويعاد طرحه مجدداً عبر جملة تحركات راهنة تعمل عليها الأطراف المعنية، والتي تتحرك في مساحات محددة من خلال تواصل الاتصالات بين عقيلة صالح رئيس مجلس النواب من جانب، والمبعوث الأممي عبدالله باتيلي، من جانب آخر، ودخول الجامعة العربية على خط التفاعل مع المكونات الليبية الحالية مع التركيز على أولويات محددة منها التأكيد على انعقاد لجنة المسار الدستوري باعتبارها المنطلق الرئيس لاستكمال العملية السياسية، وكانت هذه اللجنة واجهت تعثراً ثم تجمدت فعالياتها طوال الفترة الماضية، وهو ما سيتطلب بالفعل إعادة إحياء دورها واستكمال مهامها بالتوافق بين الفواعل الليبية المختلفة عبر لجنة الحوار في مجلس الدولة والبرلمان.
ولعل هذا التوجه يأتي على رأس أولويات المبعوث الأممي عبد الله باتيلي، والذي تحرك خلال الفترة الماضية في إطار استكشاف المواقف، وتبين التغيير الذي طرأ في المواقف على بعض الأطراف مع الاتفاق على أن الخطوة التنفيذية لاستكمال المسار الدستوري تكمن في عقد مفاوضات بين رئيس المجلس الأعلى خالد المشري ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح برعاية أممية مهمة للاتفاق على ما سيجري والخاص بتوحيد السلطة التنفيذية، وتولي المواقع الكبرى، والتي توصف بالسيادية، ومبادئ القاعدة الدستورية التي طرحت سلفاً لإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية، ومن ثم فإن الحاجة ملحة لتحديد أطر محددة، وآليات تنفيذ وفق خريطة زمنية يقبل بها الجميع، مع الالتزام بنص المرجعيات الدولية الراهنة، والخاصة بضرورة إخراج العناصر المرتزقة، وإقرار دور فاعل للجنة العسكرية المشتركة، والتي أنجزت الكثير من الخطوات طوال الفترة الماضية، وتحتاج إلى دعم ومساندة أممية وتوافقات الأطراف المعنية، وعلى رأسها دول الجوار الإقليمي.
ورغم ما يجري، فإن الواقع الراهن ما زال يصطدم بمواقف وتوجهات البعض، حيث ما زال عبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة الوحدة المؤقتة يتمسك بوجوده في موقعه، ورفضه المساعي الراهنة كافة والمطروحة بتشكيل سلطة تنفيذية، وعدم التفاعل مع أي سلطة انتقالية، معتبراً أن الحكومة الراهنة هي آخر حكومة قبل إجراء الانتخابات، والتي يجب أن تتم - وفق تصوره - معبرة عن إرادة الشعب الليبي.
وفي المقابل، ما زال الجدال السياسي قائماً حول ما يجري باعتبار أن حكومة الدبيبة لا تريد أي تطور إيجابي في إدارة المشهد الراهن، وهو ما عبر عنه عبد الله بليحق النطاق باسم مجلس النواب، والذي يرى أن حكومة الدبيبة الحالية لم تنجز الكثير على عكس ما يتردد إعلامياً وفي الخطاب الشعبي والسياسي لممثليها بدليل أن الدبيبة نفسه نقض وعده، وترشح للانتخابات التي لم تتم، وهو ما يشير إلى أن تحركاً عربياً أو أممياً يجري في الوقت الراهن لن يصل إلى نقطة توازن جديدة قد تحرك المياه الراكدة، والتي تدفع الأطراف الوسيطة، وعلى رأسها الأمم المتحدة، للتحرك صوب إجراء خطوة الانتخابات، والعمل بخريطة سياسية زمنية جديدة، وفي ظل ما يجري إقليمياً خاصة بين مصر وتركيا، واحتمالات انعكاساته على المشهد الليبي، واحتمالات حدوث توافقات يمكن البناء عليها في الفترة المقبلة.
ومن دون التحرك العاجل، سيتعايش الجميع مع المشهد الراهن بكل تعقيداته، وتفاصيله الكبيرة التي لا تزال تجري، وفي ظل تمسك كل طرف بمواقفه، وهو ما سيعرقل أي إنجاز قد يتم في الفترة المقبلة.
في هذه الأجواء من الضروري إذاً أن يسرع المبعوث الأممي عبد الله باتيلي بخطواته مع تكثيفها في إطار أولوية محددة، وهي حسم الموقف الراهن بالارتكان إلى القاعدة الدستورية المؤثرة، والعمل وفق عناصرها، والاتجاه قدماً نحو الخطوة التالية، وهي إجراء الانتخابات المؤجلة، مع تحديد الأطراف المعوقة بالفعل للتوصل لأية توافقات حقيقية يمكن العمل من خلالها، خاصة أنه مع استمرار استراتيجية اللاحل ستكون رهانات بعض الأطراف مفتوحة على السيناريوهات كافة، بما في ذلك العودة لخيارات المواجهة في ظل غياب متعمد لدور اللجنة العسكرية التي أنجزت الكثير من الخطوات طوال الفترة الماضية. 

* أكاديمي متخصص في الشؤون الاستراتيجية