بتفجير «جسر القرم»، الذي يربط بين الأراضي الروسية وشبه جزيرة القرم تكون الأوضاع بالنسبة للعداء القائم بين روسيا ودول الغرب، ممثلة حالياً في حكومة أوكرانيا قد وصلت إلى مراحل خطيرة جداً ربما لا يمكن احتواؤها بسهولة على مدى الأيام القليلة القادمة.
وعلى ضوء الانفجار الذي أحدث أضراراً في أحد مسارات الجسر، تواترت الأنباء والتداعيات المزعجة حول الحرب الدائرة حالياً في أوكرانيا، حيث تم تداول تقارير تشير إلى نية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تحويل الحرب من مجرد عملية خاصة تهدف إلى تحقق أهداف محددة في داخل أوكرانيا ثم الخروج منها إلى حرب معلنة شاملة لا هوادة ولا رجعة فيها.
إن الكثيرين يتساءلون عن الفرق بين الحرب المعلنة والحرب غير المعلنة الحالية.
من الناحية السياسية، يوجد فرق بين هذين النوعين من الحروب، فالحرب غير المعلنة، هي عملية عسكرية قد تكون محدودة ويمارسها الرئيس مباشرة وفقاً لسلطاته الرئاسية الدستورية ولا حاجة له للعودة إلى البرلمان «الدوما»، ويشنها مستخدماً ميزانية الدفاع المخصصة له في الموازنة العامة السنوية ولا يمكنه الخروج عن ذلك بسهولة.
أما الحرب المعلنة، فإنه يخوضها بعد العودة إلى الدوما الذي يوافق له عليه. وموافقة الدوما تعني الشيء الكثير بالنسبة لإعلان الحرب، أهمها تخصيص أموال ضخمة إضافية لشن الحرب وتعبئة موارد الدولة كافة من مالية وبشرية واقتصادية وصناعية لها؛ واستدعاء الاحتياطي العسكري بكامله إلى الخدمة الفعلية وإرساله إلى ميادين القتال والخطوط الأمامية.
وأهم من هذا وذاك هو تمكين الرئيس من كافة الأسلحة المتاحة لدى الدولة والسماح له باستخدام ما هو متاح منه من تقليدية وغير تقليدية التي أهمها النووية والكيميائية والجرثومية.
لكن الأسئلة الأهم في موضوع الحرب الدائرة الآن بين روسيا والغرب، هو لماذا وصلت الأمور إلى هذه الحدة ولم يتم التمكن من احتوائها حتى الآن؟ ولماذا يصر الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على تزويد أوكرانيا بكافة أنواع الأسلحة المتطورة.
في مقال سابق تحدثت عن قلق روسيا من تقدم حلف شمال الأطلسي «الناتو» نحو أراضيها وحدودها ونية نشر قواته ومنظومات من الصواريخ الباليستية الناقلة لرؤوس نووية قريباً من حدودها في أوكرانيا ودول أخرى محيطة بالأراضي الروسية.
هذا على صعيد علاقات روسيا بدول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية وحلف الناتو، لكن توجد أيضاً أسباب أخرى لدى روسيا في هذه المواجهات العسكرية واستعدادها لجعلها معلنة.

بعد انهيار الاتحاد السوفييتي حاولت روسيا أن تصبح دولة صديقة لدول الغرب وأن تنضم بكل ثقلها إلى المنظومة الغربية والنظام الاقتصادي الغربي والرأسمالي العالمي، وأن تصبح دولة رأسمالية صرفة يحرك نشاطها الاقتصادي اقتصاد السوق، لكنها اصطدمت بجبل من العراقيل والمشاكل بعض منها هيكلي وبنائي، والآخر فكري وأيديولوجي، والثالث سيكولوجي، والرابع ربما دخل في صلبه نظرياً المؤامرة، كما يعتقد الروس، لكن أهم تلك العراقيل في تقديري هو نمط وصفات الاندماج في اقتصاد الأسواق العالمية وضرورة التكيف المستمر مع التغييرات الحاصلة في المراكز الديناميكية المتحركة في النظام العالمي.
إن الأسس الاقتصادية العامة الخاصة بالتحول في روسيا واضحة، وهي الحاجة إلى تكيف بنائي واستقرار اقتصادي ومالي قصير الأمد، وتقليل نظم سيطرة الدولة المركزية على الاقتصاد ومن سيطرتها وتنظيماتها وتدخلاتها الكمية المستمرة في الاقتصاد. 

لكن ذلك يحدث بثمن اجتماعي باهظ، فالمعضلة الاجتماعية تفاقمت وأصبحت الكلفة الحقيقية مؤكدة يدفع ثمنها الشعب الروسي الذي أصبحت مستوياته المعيشية في تراجع مستمر مع مصاحبة تفشي البطالة والفقر مع كل ذلك.
لقد نتج عن ذلك أن أصبح النظام السياسي متأثر أيضاً، فهو نظام جديد أنشئ بعد انهيار النظام الشيوعي السابق، ويوصف حالياً بأنه ديمقراطي، هذه جميعها سيناريوهات تمر بها روسيا منذ بداية تسعينيات القرن العشرين تضعها أمام قضايا فكرية تحتاج إلى حلول جذرية، فالتجربة الروسية لا زالت في بداياتها سياسياً واقتصادياً على صعيدي اقتصاد السوق والتجربة الديمقراطية. 

* كاتب إماراتي