بعد الهزة التي عصفت باقتصادات العالم أثناء جائحة فيروس كورونا بدايةً من مطلع العام 2020، وما سببته من اضطراب في الموارد وانتكاسة للإنتاج وشلل في سلاسل التوريد، انقلبت الموازين وتغيرت أنماط الحياة في كثير من المجالات مقارنةً بما كانت عليه سابقاً، حيث كان هناك نوع من الانتظام والاستقرار في الأسواق والنظم الاقتصادية التي كانت تسير بشكل روتيني معروف، لكن الأمور تغيرت فجأةً بسبب القواعد والأنظمة والتوجيهات والتعليمات والإرشادات والإجراءات الصحية والإدارية والمالية التي فرضتها الجائحة. لقد تعطّل كثير من الشركات والمؤسسات والأسواق والمصانع والمعامل، وأعلن بعضُها تكبُّدَه خسائرَ كبيرةً، كما وقع بعض آخر منها في الإفلاس، نتيجة الظرف العالمي المفاجئ. 

لكن هناك مَن استغل الفرصةَ حين خدمته الظروف الصحية الطارئة ليضاعف أرباحَه على حساب المستهلك، لاسيما منتجو ومصنِّعو وتجار المنتجات الضرورية التي لها علاقة بظروف الوباء وبمكافحته والتصدي له في حينه، إذ كان العالم لا يزال واقعاً تحت تأثير الجائحة ولم يخرج منها إلى حالته الطبيعية بعد.
ولعل الخسائر التي تكبدتها بعض الشركات والمؤسسات والمحلات التجارية هي مما دعا بعض الجهات الحكومية في أكثر من بلد إلى غض النظر عن تلك الشركات والمؤسسات والمحلات التجارية، على اعتبار أنها تضررت وخسرت أموالاً طائلة نتيجة للظروف الصحية المفاجئة وما صحبها من اضطراب اقتصادي، وربما رغبة في تشجيع الفاعلين الاقتصاديين على استعادة نشاطهم لكي يستمروا كما كانوا يعملون وينتجون ويبيعون ويسوّقون بضائعهم التجارية عسى أن يعوضوا خسائرهم السابقة. ورغم المراقبة الصارمة من الجهات المعنية حول إنتاج ونوع البضاعة ومدة صلاحيتها من عدمه، فإن جشع بعض الشركات والمؤسسات التجارية، جعلها تزيد أسعار منتجاتها وبضائعها بشكل مبالغ فيه، وذلك بحجّة أنها تضررت من الإغلاق والتوقف بسبب الجائحة. والحقيقة أنها أصبحت تستغل المستهلكَ وتُضاعف عليه الأسعارَ بشكل متتابع، ليتفاجأ بهذه الأسعار غير المبررة، والتي لا تراعي دخل المستهلك البسيط، والذي تضرر هو أيضاً على نحو مباشر جراء الأزمة وما صحبها من ارتفاع في الأسعار. إلا أن أصوات المستهلك في ظل الاقتصادات الليبرالية الرأسمالية الصناعية الكبرى المحكومة بنظام السوق وآلياته، لا تكاد تجد مَن يسمعها، ما شكل نوعاً من التساهل مع جنون الأسعار المتصاعدة، إذ تسعى تلك الشركات والمؤسسات إلى تعويض خسائرها الفائتة على حساب المستهلك.
إن الأسعار الجديدة في كثير من البلدان تخطت الحد المعقول، وصار يَحدث أن تشتري بضاعةً من محل صغير بسعر معين ثم تجدها لدى محل آخر بسعر يضاعف السعر الأول سبع مرات، بغض النظر عن السعر الحقيقي للمنتَج نفسه.. وهكذا أيضاً بالنسبة للأسواق التجارية والمطاعم وأصحاب المحلات والسلع التجارية الأخرى الضرورية.
لا بد من رقابة صارمة وجادة لضبط الأسعار وإيقاف جنونها، وكبح هذا الغلاء المفرط الذي يضر بالمستهلك البسيط، كفرد وكأسرة، خاصة مع الارتفاع الملحوظ حتى في أبسط مقومات الحياة.
والمطلوب في ظل ظروف كهذه أضرت بجميع اقتصادات العالم ومجتمعاته، أن تستنفر الجهات المعنية جهودَها أمام هذا الصعود الملحوظ في الأسعار، خاصةً أسعار المواد الاستهلاكية الضرورية، ومنع الغلاء التصاعدي غير المبرر في أحيان كثيرة، والذي أصبح يمس المستوى المعيشي للأسر والأفراد في كثير من دول العالم.. فهل نشهد تعاوناً دولياً لمواجهة التحديات الاقتصادية الناشئة عن الجائحة وتداعياتها، وعلى رأسها غلاء السلع والمنتجات؟!

*كاتب سعودي