تسلمت الهند للتو رئاسة مجموعة العشرين من إندونيسيا، وهي فرصة للدولة الواقعة في جنوب آسيا لإظهار مهاراتها الدبلوماسية، والمساعدة في قيادة مجموعة اكتسبت أهمية في السنوات الأخيرة.
ويمر العالم بفترة من الانقسام وعدم اليقين وسط تحذيرات من اندلاع حرب باردة جديدة، بسبب حرب أوكرانيا. وفي ظل هذه الخلفية، فشلت الأمم المتحدة في أن ترقى إلى مستوى التوقعات حتى مع أن مجلس الأمن، وهو الهيئة الرئيسية لصنع القرار، لا يعكس التغيرات العالمية التي حدثت. لذا فإن الآمال معلقة على مجموعة العشرين، التي تضم مزيجاً من البلدان المتقدمة والاقتصادات الناشئة. كما يُنظر إلى هذه المجموعة على أنها تتمتع بإمكانية تشكيل الحوار العالمي بشكل أفضل والانتقال إلى ما هو أبعد من مجرد تجمع لإجراء حوارات.
وقد تولت الهند الرئاسة من إندونيسيا، وهي دولة آسيوية أخرى نجحت في إدارة مجموعة العشرين. والآن حان دور الهند التي ينمو صوتها على المسرح العالمي باعتبارها واحدة من أسرع الاقتصادات نمواً في العالم، وفقًا لصندوق النقد الدولي. وحتى قبل تولي الرئاسة، كان للهند أيضاً تأثير على التجمع من خلال المساعدة في التوفيق بين بعض الانقسامات التي ابتليت بها المجموعة. وفي هذا الصدد أظهر بيان النتائج الصادر في نهاية المحادثات على مستوى قمة بالي مساهمة هنديةً رئيسيةً. وتم تضمين عبارة رئيس الوزراء ناريندرا مودي «ليست حقبة حرب»، والتي وردت في اجتماع مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في قمة منظمة شنغهاي للتعاون في سبتمبر الماضي، في بيان النتائج وسط تباينات عميقة في الرأي حول روسيا وحرب أوكرانيا.
وقد أقرت الولايات المتحدة بأن الهند لعبت دوراً أساسياً في التفاوض بشأن إعلان قمة مجموعة العشرين في إندونيسيا. وهناك آمال كبيرة في أن تتمكن الهند من العمل كجسر بين الغرب وروسيا. فالهند من بين الدول القليلة التي لها علاقات جيدة مع كل من الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى من جهة وروسيا من جهة أخرى. كما يُنظر إليها على أنها شريك جدير بالثقة. بالإضافة إلى هذا الجسر، يُنظر إلى الهند أيضاً باعتبارها صوتَ الدول المتقدمة في التجمع متعدد الأطراف.
ومن المؤكد أن الهند في وضع جيد لإحداث تأثير على السياسة العالمية وللمساعدة في خفض التوترات بين الغرب وروسيا. قال رئيس وزرائها مودي أثناء استلامه رئاسة المجموعة من إندونيسيا إن رئاسة الهند لمجموعة العشرين ستكون «شاملة وطموحة وحاسمة وذات منحى عملي». ومن ناحية أخرى، تتولى الهند مسؤوليةَ التجمع في وقت يصارع فيه العالَمُ التوترات الجيوسياسية، والتباطؤ الاقتصادي، وارتفاع أسعار الغذاء والطاقة، والآثار السيئة طويلة المدى للجائحة. وكما أكد رئيس الوزراء الهندي، فإن بلاده ستعطي الأولوية «للتنمية التي تقودها النساء» في جدول أعمالها لمجموعة العشرين.
وسيظل التعامل مع حرب أوكرانيا وتداعياتها الدبلوماسية يمثل تحدياً رئيسياً للهند. ويحرص الغرب بقيادة الولايات المتحدة على عزل روسيا بينما ترتبط دول مثل الهند والصين بعلاقات مع روسيا وتسعى لتحقيق التوازن في موقفها. وبالنسبة للهند، يظل هذا هو التحدي المتمثل في التوفيق بين وجهات النظر المتعارضة بشأن الحرب بين أوكرانيا وروسيا. وما قد يكون لصالح الهند هو أن التوترات بين الولايات المتحدة والصين، التي تعمقت بشأن تايوان، يبدو أنها تتراجع في هذه المرحلة.
ومن ناحية أخرى، يمكن للهند أيضاً إدارة مجالات التعاون مثل الرقمنة وتغير المناخ، حيث سيكون بوسع الهند أن تعكس وجهات نظر الدول النامية. وقد سلّط مودي الضوءَ بالفعل على دور الهند كلاعب رائد في المجال الرقمي. إن الاقتصاد الهندي مهيأ بشكل جيد للمضي قدماً كاقتصاد رقمي، حيث تمكنت الهند بنجاح من إدخال الرقمنة إلى الخدمات الحكومية وتقديم الإعانات والمدفوعات للفقراء والمهمشين. وكل هذا أثار دهشةَ العالم، فيما سعت دول أخرى إلى تكرار نجاحات الهند الرقمية. وفي خطابه خلال قمة بالي، أوضح مودي أن الثورة الرقمية كانت إحدى الطرق الرئيسة لإنعاش الاقتصاد العالمي بالإضافة إلى جعل الحوكمة شفافةً وليست مقيدة.
بالنسبة للهند، هناك الكثير من الأمور على المحك، وهي تود أن ترى مجموعة العشرين قويةً في عالم متعدد الأقطاب، حيث يتم أخذ منظور الدول الآسيوية والنامية فيه. ليس هناك شك في أن رئاسة التجمعات بالنسبة للهند فرصة للمساعدة في تسخير مهاراتها الدبلوماسية للصالح العالمي ولعرض بعض مبادراتها الرقمية المحلية. وبطبيعة الحال، يبقى التحدي الرئيسي هو ضمان أن تؤدي قمة مجموعة العشرين التي ستُعقد في العام المقبل إلى المضي قدماً وتقديم بعض الإنجازات الملموسة. وإذا لم يتم حل أزمة الحرب الأوكرانية، فإنها على الأقل ستساعد في تهدئة التوترات.

*رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي