تتزامن المزايدات اليمينية من حزب القوة اليهودية، وحزب «الصهيونية الدينية» تجاه رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، والإعلان عن اشتراطات محددة تجاه دخول الحكومة الإسرائيلية الجديدة والمتعلقة بسياسة الاستيطان والمخصصات، وبما يشترط فك الارتباط مع الضفة الغربية مع موقف أميركي متشدد يدفع بالتحفظ على دخول رئيس حزب «الصهيونية الدينية» بتسلئيل سمو تريتش، ورئيس حزب «القوة اليهودية» ايتار بن غفير، في الحكومة المقبلة، ما نقل لرئيس الوزراء المكلف نتنياهو ليؤكد على أن الإدارة الأميركية لن تتعامل مع الشخصين خاصة وأن قضايا الحوار الاستراتيجي بين الجانبين قائمة، ولا تريد الولايات المتحدة المساس بنمط التعاون في ظل وجود الشخصين وبما يحملانه من خطاب قائم على التحريض والعنف، الأمر الذي قد يمس الاستقرار في إسرائيل، وسيفرض حالة من العزلة الدولية على هذه الحكومة قبل تشكيلها.
والسؤال هل سيتجاوب نتنياهو، أم سيمضي في مسار آخر خاصة مع الضغوطات التي تمارس عليه من قيادات حزب الصهيونية الدينية، ومن حزب القوة اليهودية بل ومن سمو تريتش وبن غفير، والذين اعتبرا التدخل الأميركي مرفوضاً شكلاً ومضموناً وأن القرار لمواطني الدولة العبرية في تشكيل الحكومة الجديدة، وهو ما يعني تمسكهما بالتولي في إشارة إلي عدم وجود ما يدفع بتقديم تنازلات لإدارة الرئيس جو بايدن من الآن، بل ورفضا مسبقا تولي حكومات أخرى، وهو ما قد يؤدي إلي أحد سيناريوهين: إما رفض الدخول في الحكومة كأقصى خيار، وهو مستبعد في ظل ما يملكانه من قوة حزبية، ومن ثم فلن يقبل الحزبان الخروج من المعادلة السياسية الراهنة، وإما القبول بتولي مواقع بديلة كالمالية مثلا بالنسبة لسموتريتش.
الواقع أن ما يجري من مزايدات حزبية بين نتنياهو، والرفاق الجدد في اليمين تتجاوز تولي الوزارات إلى فرض سياسات، والتزامات على «ليكود» لدخول الحكومة، وهو ما اتضح من شرط بن غفير بتغيير قانون فك الارتباط حيث يمكن العودة إلى المستوطنات في منطقة شمال الضفة، وكان الغرض من القانون تنظيم خطة فك الارتباط إخلاء المستوطنين من أراضي شمال الضفة، كما تم الاتفاق على شرعنة البؤر الاستيطانية الجديدة في غضون 60 يوما من تشكيل الحكومة وتسريع تخطيط وتنفيذ الطرق الاستيطانية الالتفافية، وتوسع الطريق الاستيطاني الذي يشق الضفة الغربية من شمالها إلي جنوبها بما في ذلك زيادة، وتقديم ميزانيات التنفيذ خاصة في مستوطنة افتيار المقامة على أراض قرية بيتا في نابلس..
ومن ثم فإن المزايدات التي تجري قبل تشكيل الحكومة الجديدة لن يدخلها فقط شخصيات، ربما تكون محل تحفظ حقيقي على المستوى الدولي، وإنما أيضا مرتبط بالسياسات التي ستُطرح، وما قانون فك الارتباط إلا البداية لاشتراطات ستطرح على نتنياهو لقبول دخول الحكومة، والتي ستليها عدة قوانين سيئة السمعة التي كانت مجمدة من قبل الكنيست لاعتبارات متعلقة بالأمن القومي الإسرائيلي، والتي تحتاج بالفعل إلي قرار من المحكمة العليا للدولة، والتي كانت في الأغلب تؤجل مثل هذه القوانين لاعتبارات أمنية.
وسواء قبل، أو تحفظ نتنياهو على قواعد التعامل التي يطرحها بن غفير أو سمو تريتش، فإنه من المتوقع أن تصاغ رؤية لمعسكر اليمين بأكمله من خلال «الليكود» تجاه ملفات الاستيطان الرسمي، وغير الرسمي وفقا للطرح الإسرائيلي، والعمل على تنفيذ مخطط القدس الكامل 2050 عبر خطة التهويد الكامل، والتي يعمل عليها اليمين منذ إطلاق مخطط الاستيطان 2020 السابق، والتي أنجزت الحكومات الإسرائيلية السابقة أكثر من 90% منه، وفي إشارة إلى أن هذه المزايدات ستؤدي إلى مزيد من تلغيم المشهد في الأراضي الفلسطينية خاصة في جنين ونابلس، وستؤدي إلي سيناريوهات صفرية محتملة بل وإلى مزيد من العنف والمواجهة داخل إسرائيل، وهو ما تحذر من تبعاته أجهزة الأمن الإسرائيلية خاصة جهاز «شاباك».
* أكاديمي متخصص في الشؤون الاستراتيجية