لسنوات لعب برنامج الصين الفضائي دوراً تابعاً للولايات المتحدة. ولكن ليس بعد الآن. فقبل بضعة أيام، أطلقت الصين الوحدة النهائية من محطتها الفضائية تيانغونغ – أو «قصر السماء» – التي نجحت في الالتحام مع بقية وحدات المحطة في مدار منخفض حول كوكب الأرض. إنها قفزة كبيرة إلى الأمام بالنسبة للبرنامج الفضائي للصين، التي تحاول ترسيخ وضعها كقوة كبرى فضائية. 
وتعليقاً على هذا الموضوع، يقول جونثان ماكدويل، عالم الفيزياء الفلكية بمركز هارفرد-سميثسونيان للفيزياء الفلكية: «إنه بمثابة إعلان بأن الصين تشتغل الآن كندٍّ للولايات المتحدة في الفضاء». 
بمحطة فضائية كاملة، ضاعفت الصين عدد رواد الفضاء الذين يمكن أن يكونوا على متنها إلى ستة. كما يستطيع العلماء إجراء تجارب تساهم في بلوغ أهداف الفضاء المستقبلية، مثل بناء قاعدة على القمر أو استكشاف المريخ. وقال علماء فيزياء فلكية إن اختبارات معملية أخرى يمكن أن تفيد في البحث الصيدلي أو الهندسي. 
وبذلك تسيطر الصين الآن على محطة الفضاء العاملة الوحيدة عدا محطة الفضاء الدولية الأكبر، التي تديرها بشكل مشترك كل من الولايات المتحدة ووكالة الفضاء الأوروبية وروسيا وآخرين. وهذا يخلق تحديات دبلوماسية، وفق خبراء. 
فقد حظر الكونجرس على وكالة الفضاء والطيران الأميركية «ناسا» التعاون مع برنامج الفضاء الصيني. ولكن حلفاء أميركا لا يواجهون أي قيود مماثلة – وبعضهم أشّروا إلى أنهم يعتزمون العمل مع الصين. 
وتقول إيميه نيلسون، خبيرة الفضاء وزميلة السياسة الخارجية بمؤسسة بروكينجس البحثية: «إن هذا سيعقِّد العلاقات»، مضيفة: «إنه مظهر من مظاهر التنافس الحالي بين الولايات المتحدة والصين في مجال آخر».
خلال معظم القرن الماضي، كانت الولايات المتحدة وروسيا ووكالة الفضاء الأوروبية اللاعبين الرئيسيين في استكشاف الفضاء. ولكن في السنوات الأخيرة، استثمرت الصين المليارات في برنامجها في محاولة للحاق بالركب. 
وفي 2003، أصبحت الصين ثالثَ بلد يرسل رجلاً إلى الفضاء بوساطة صاروخ من صنعها، بعد الولايات المتحدة وروسيا. وفي 2013، أرسلت بعثة من دون رواد فضاء إلى القمر، في أول «هبوط ناعم» منذ 1976. وفي 2019، حطت مركبة فضائية صينية على الجانب البعيد من القمر، لتصبح بذلك الصين أول بلد يقوم بذلك. 
غير أن التوترات سرعان ما ظهرت. ففي 2011، مرّر الكونجرس الأميركي، الذي تحجج بمخاوف تتعلق بالأمن القومي، قانوناً يحظر فعلياً على «ناسا» التعاون مع الصين في بحوث الفضاء، ما أبعد بكين عن أي شراكة حول محطة الفضاء الدولية. وتلك السنة، أطلقت الصين أولَ نموذج لمحطتها الفضائية، التي تدعى «تيانغونغ 1»، والتي عملت حتى 2018. 
وتتألف محطة الفضاء الصينية الحالية «تاينغونغ» من ثلاث وحدات هي: «تيانهي»، وهي الوحدة الرئيسية التي أُرسلت إلى المدار في 2021، موفرة وسائل العيش والإقامة لأفراد الطاقم، و«وينتيان» التي قامت بعملية الالتحام مع الوحدة الرئيسية في يوليو الماضي، وهي تساعد في الإبحار والدفع، و«مينغتيان»، وهو الوحدة الأخيرة التي أُطلقت في 31 أكتوبر ولديها مقصورات مخصصة لإجراء تجارب مخبرية متقدمة.
ومستقبلاً، قد تحصل المحطة الفضائية على جهاز «تلسكوب آلي»، حسب ماكدويل، من مركز هارفرد سميسونيان للفيزياء الفلكية. 
هذا وتعتزم وكالة الفضاء الصينية إجراء ألف تجربة علمية على الأقل على «تيانغونغ»، وفقاً لدورية «نيتشر» العلمية. تسع تجارب منها على الأقل ستجرى بتعاون مع الأمم المتحدة وبلدان مثل اليابان وروسيا والهند والمكسيك، كما قالت الوكالة. وتحاول هذه المشاريع الإجابة عن أسئلة مختلفة، من رؤية كيف يتحول الحمض النووي في الفضاء إلى رسم خرائط النجوم. 
وقال ماكدويل: إن معظم البحوث يمكن أن تقسّم إلى مجالين رئيسيين. الأول هو التجارب الطبية، مثل كيف يكون رد فعل الإنسان على سقوط حر سريع أو الإشعاعات في الفضاء. والآخر هو تحليل كيف تشتغل العناصر، مثل السوائل، في بيئات ينعدم فيها الوزن. هذا البحث يمكن أن يفيد في اكتشاف الأدوية أو حل مشكلات هندسية لأن البيئات التي ينعدم فيها الوزن تسمح للعلماء بخلط المواد الكيماوية والمعادن وفصلها بطرق يتعذر عليهم القيام بها على كوكب الأرض. 
غير أن ماكدويل لفت إلى أن هذا أمر من الصعب تحقيقه إذ قال: «هناك أفكار رائعة»، مضيفاً: «غير أنه من غير الواضح ما إن كانت ستكلل بالنجاح في الواقع».
ويأتي إطلاق محطة الفضاء الصينية في وقت أخذت تشارف فيه حياة محطة الفضاء الدولية المسنة على الانتهاء، إذ من المرتقب أن تنتهي من الخدمة في 2030. وفي هذا الصدد، أشار جيفري هوفمان، وهو رائد فضاء متقاعد من «ناسا» وأستاذ هندسة الطيران بمعهد ماساتشوسيتس للتكنولوجيا، إلى أن وكالة «ناسا» تعتمد على القطاع الخاص – بما في ذلك شركات مثل أكسيوم«و«لوكهيد مارتن»و«بلو أوريجين»– لبناء محطة فضاء حديثة وجديدة. 
وإلا، فإن أميركا تواجه خطر التراجع إزاء الصين، يقول هوفمان. وأضاف:«إننا لن نسمح بحدوث ذلك».

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست نيوز سينديكيت»