لقد راقت لي فكرة «سمكة شواب» التي تتميز بحجمها الصغير وحركتها السريعة في عالم البحار، لذا فهي عصية على السمك الكبير. هكذا وصف كلاوس شواب «مؤسس المنتدى الاقتصادي العالمي»، عالم العلاقات الدولية في قمة مجموعة العشرين في إندونيسيا، حيث أكد أن العالم اليوم ليس فيه دول كبيرة تبتلع دول صغيرة، بل على الدول الصغيرة أن تكون سريعة ومنيعة عبر التقدم والتطور والتفاعل، وهذا الأمر يراهُ «شواب» بأنه يتحقق في إطار التعاون بين الحكومات والشركات مهما اختلف حجم وقوة الدول.
ظهرت الدول بعد الحرب العالمية الثانية بتفاوت واختلاف كبير بين بعضها البعض، فهناك دول عظمى لديها مساحات شاسعة وقدرات عسكرية مدمرة وقوة صناعية متعددة ومعرفية هائلة، كما لها نفوذ الإمبراطورية مثل الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية، في حين الدول الكبرى لها خصائص الدول العظمى نفسها -ولكن من دون الطابع الإمبريالي- مثل الصين. وفي التصنيف الثالث، تأتي الدول القوية التي لها قدرات صناعية وعسكرية، ومساحة جغرافية أقل من الدول العظمى والكبرى، وهكذا يتناقص حجم الدول من المساحة الجغرافية إلى القدرات الصناعية والبشرية والمعرفية من دول متوسطة إلى صغيرة، وصولاً إلى الدول الصغرى. 
أهمية الدول الصغيرة في العلاقات الدولية تتمثل في أنها تقوم على منع الصدام بين الدول العظمى والكبرى والقوية، فهي تجعل العالم أكثر تعقيداً في المصالح والاعتماد المتبادل والجيوسياسية، وأكثر تقبلاً لمختلف الشعوب والمجتمعات والثقافات، وأقلُ قابلية لهيمنة دول محدودة على أقاليم العالم والأمم. 
أما لماذا تتطور الدول الصغيرة بسرعة؟ فمن منطلقات بأن وظيفة جميع الدول بمختلف تصنيفاتها هو البقاء والاستمرار، نجد الدول الصغيرة أكثر تحركاً ومرونةً في العلاقات الدولية عبر التطور السريع والتعاون مع الدول «من العظمى إلى الصغرى» والشركات المختلفة والمتعددة والمنظمات والاتفاقيات الدولية، علاوة على دعم الأعمال الخيرية والسلام والأمن الدوليين. وتتميز معظم الدول الصغيرة بوجود حكومات قريبة من شعوبها تسعى لتحقيق الرفاهية ولديها قدرات إدارية مرنة وسريعة، ولا تعاني من أيديولوجيات متضاربة تجعل الحكومات تختلف في سياساتها بشكل راديكالي، علاوة على كل ذلك، تحتل مراكز عالية وواسعة في مؤشر الأمم المتحدة للتنمية البشرية. وتستطيع هذه الدول إيجاد أدوار تجارية وصناعية وأمنية وسياسية وحتى ثقافية، خاصةً في إطار العولمة بكل ما تحملهُ من سلسلة الاعتماد المتبادل. الأمثلة كثيرة على الدول الصغيرة والدول التي تتطور ضمن وصف «سمكة شواب السريعة والقوية»، فما زالت الدول الصغيرة تحفز الدول الكبيرة على تبني أنظمة لا مركزية وفيدرالية وكونفدرالية، وأيضاً، هناك تزايد في عدد الدول الصغيرة جراء فشل بعض الدول في أنظمتها السياسية والاقتصادية، وتحقيق الدولة القومية الشاملة. 
لهذه المقالة جملة أخيرة، إن حالة الأمن والاستقرار والتعاون والتطور في العالم ترجع إلى قيام الأمم المتحدة، وأيضاً، إلى وجود الدول الصغيرة وتزايد تطورها وفعاليتها وعددها، والتي جعلت العالم أكثر اختلافاً وتنوعاً وتواصلاً وتطوراً وتعاوناً، وأقل قابلية لسيطرة وهيمنة قوى سياسية محدودة على العالم والأمم.
* كاتب ومحلل سياسي