إعلان مكتب التحقيقات الاتحادي عن تحقيق مستقل وشيك في مقتل الصحفية الفلسطينية الأميركية شيرين أبو عاقلة ليس، كما قال أحد الصحفيين الإسرائيليين، «لحظة مفصلية» في العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل.

لكن العوامل التي أدت إلى هذا القرار والتوترات الناجمة عنه تلقي الضوء على التغييرات الجارية في مواقف الولايات المتحدة تجاه إسرائيل وسلوكياتها. ودعونا نتذكر أنه بعد مقتل أبو عاقلة مباشرة، تحركت آلة الدعاية الإسرائيلية بكامل طاقتها وبمزيجها المميز من الإنكار والكذب والتعتيم، في سبيل شراء الوقت، حتى تلاشت القضية من العناوين الرئيسة.

  وتدرجت التصريحات من «لا نعتقد أننا قتلناها» إلى «الإرهابيون الفلسطينيون، الذين أطلقوا النار بشكل عشوائي، هم على الأرجح الذين أصابوها». ثم ظهرت تصريحات مثل «ردت قواتنا على النيران بأكبر قدر ممكن من الدقة والحذر والمسؤولية. للأسف... قُتلت في تبادل إطلاق النار» و«كانوا مسلحين بالكاميرات». ثم صرح الإسرائيليون بالقول «بعدم التعاون معنا... ربما يتستر الفلسطينيون على الحقيقة».

وربما كان الممكن، في الماضي، أن تنجح مثل هذه الحملة. لكن هذه المرة مختلفة. فقد كانت شيرين أبو عاقلة صحفية مرموقة ومواطنة أميركية. كما توافر عدد كبير من مقاطع الفيديو لإطلاق النار.

وفي تجل للتغييرات المتطورة في الرأي العام الأميركي، طالب بعض أعضاء الكونجرس بإجراء تحقيق مستقل في وفاتها. أبو عاقلة كانت مواطنة أميركية وعائلتها ضغطت ببراعة على المسؤولين الأميركيين للحصول على الدعم. وقامت المنافذ الإخبارية الأميركية الرئيسة بتحقيقاتها الخاصة، وأجرت مقابلات مع الشهود، وراجعت اللقطات ومسحت المشهد، ووجدت في كل حالة أن مزاعم إسرائيل باطلة. 

والأهم من هذا أن ربع الأعضاء «الديمقراطيين» في مجلس النواب بعثوا برسالة إلى وزير الخارجية ومدير مكتب التحقيقات الاتحادي يطالبون فيها بإجراء تحقيق مستقل في حادث إطلاق النار. ووقع على طلب مماثل نصف أعضاء مجلس الشيوخ «الديمقراطيين» في رسالة إلى الرئيس جوزيف بايدن.

وكان الإسرائيليون يأملون في أن يؤدي تحليل الطب الشرعي غير الحاسم للرصاصة التي قتلت أبو عاقلة إلى إغلاق ملف القضية. لكن أربعة من كبار أعضاء مجلس الشيوخ «الديمقراطيين» أدانوا النتائج ووصفوها لوزير الخارجية بأنها غير كافية وتفتقر إلى الشفافية، ولا «تفي بأي حال من الأحوال بأي تعريف معقول لتحقيق مستقل ودقيق وشفاف». وبعد أربعة أشهر، أعلن مكتب التحقيقات الاتحادي إجراء تحقيقه. ووصف أحد أعضاء مجلس الشيوخ الاستجابة بأنها «خطوة متأخرة لكنها ضرورية ومهمة في السعي لتحقيق العدالة والمساءلة».

وكان رد فعل إسرائيل هو الغضب المتوقع. ووصف وزير الدفاع بيني جانتس إعلان مكتب التحقيقات الاتحادي بأنه «خطأ فادح»، وتعهد بعدم التعاون. وقال رئيس الوزراء الذي توشك ولايته على الانتهاء يائير لابيد «لن يتم التحقيق مع الجنود الإسرائيليين من قبل مكتب التحقيقات الاتحادي».

ومع تحديد خطوط المعركة، سعى البيت الأبيض ووزارة الخارجية إلى النأي بأنفسهما عن الأمر، زاعمين عدم علمهما بقرار مكتب التحقيقات الاتحادي، وهو أمر غير وارد. ومن الأقل ترجيحاً، أن يتم إجهاض التحقيق من دون إقصاء أكبر لزعماء مجلس الشيوخ المهمين وتوليد رد فعل سياسي مضاد شديد.

وساحة الحرب تدور على خلفية التوترات المتزايدة في العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل وتزايد الانقسام الحزبي حول تحميل إسرائيل المسؤولية عن انتهاكات حقوق الإنسان. وتظهر استطلاعات الرأي أن «الديمقراطيين» يؤيدون بقوة مثل هذه المساءلة، لكن «الجمهوريين» ليسوا كذلك. وعلى سبيل المثال، عند الاستماع إلى تحقيق مكتب التحقيقات الاتحادي، دعا السيناتور «الجمهوري» تيد كروز إلى مقاضاة المدعي العام ميريت جارلاند.

وهذا الانقسام المتزايد يفاقمه انتخاب حكومة يمينية متشددة بقيادة بنيامين نتنياهو تضم عنصريين وقوميين متطرفين وأحزاباً سياسية دينية متطرفة تطالب بمناصب أمنية عليا. وحذر «الديمقراطيون» نتنياهو من مخاطر ضم هذه العناصر إلى حكومته، وهي تحذيرات سيتجاهلها على الأرجح. وفي غضون ذلك، ونظراً للدور البارز الذي يلعبه القوميون المسيحيون في الحزب «الجمهوري» اليوم، فإن «الجمهوريين» إما صامتون أو يدعمون حكومة نتنياهو.

وأخيراً، هناك دور لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (إيباك)، اللوبي المؤيد لإسرائيل، في الانتخابات الأخيرة. فقد أيدت لجنة العمل السياسي المتمتعة بتدفق من الأموال المظلمة أكثر من 100 من «الجمهوريين» من «منكري الانتخابات» وأنفقت عشرات الملايين على معارضة «الديمقراطيين التقدميين» - لا سيما استهدافها النساء اليهوديات داكنات البشرة الليبراليات اللائي يحتللن مقاعدهن ويُعتبرن غير داعمات لإسرائيل بما يكفي. وتسهم هذه العوامل في تفتيت الدعم الذي كانت تتمتع به إسرائيل من الحزبين ذات يوم في الكونجرس.

صحيح أنه ليس من المؤكد أنه يُسمح لمكتب التحقيقات الاتحادي بإجراء تحقيق مستقل، لكن الإعلان عن التحقيق والقوى المحركة لمجريات السياسة الأميركية اليوم تشير إلى تغييرات جارية في العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل. إنها ليست «لحظة مفصلية» بعد، لكنها تسير في هذا الاتجاه.

*رئيس المعهد الأميركي- العربي، واشنطن.