بمناسبة اليوم العالمي للفلسفة، أقام مركز الفلسفة بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية مؤتمراً دولياً للأخلاق والفلسفة، شارك فيه عشراتٌ من أساتذة الفلسفة والأخلاق والعلوم الاجتماعية. وأستطيع تركيز موضوعات المؤتمر في ستة، هي: القيم والأخلاق والعلائق بالفلسفة والدين والعصر ومشكلات العالم. الفلسفة بين الأسئلة الكلاسيكية والأسئلة الحديثة والمعاصرة. الفلسفة الإسلامية، ومصادرها وموضوعاتها الرئيسية وما إن كانت تفيد في القضايا المعاصرة. ولماذا تجدد ويتجدد التفكير بالفلسفة في العالم العربي المعاصر. وما علاقة الاستشراق بالفلسفة الإصلاحية؟

وهل نستطيع الحديث عن خطاب فلسفي للسلام والتعاون والتضامن في لقاءٍ مع اللاهوت والفكر الإسلامي المعاصر؟ ما غاب أفلاطون وأرسطو عن سائر أعمال ودراسات المؤتمر.

لكن في حين انصب جانب من الدراسات على العلاقة بالفارابي وابن سينا وابن رشد، وبخاصةٍ في الأخلاق والسعادة، انصرف آخرون إلى تتبع تحديثيات أرسطو في الفكر الغربي المعاصر. وكان هناك وفي مجال مناقشة الجانب السياسي من الفلسفة الإسلامية، مَن تحدّث استناداً إلى فهم الفارابي، عن نمطين من أنظمة الحكم: نمط الرعاية ونمط المسؤولية.

والواقع أن الرعاية نمط أخلاقي، بينما المسؤولية نمط قانوني. ومما يدلُّ على الافتراق أنّ جون راولز في «نظرية العدالة» (1971) يقول إنّ عمل الخير العام ليس من مهام الدولة والنظام السياسي، وإنما مسؤوليتها عن العدالة السياسية والاقتصادية.

وقد كان من حسن الحظ أن حضر المؤتمر الأستاذ تشارلز بترورث Butterworth الذي عمل معظم حياته العلمية (وهو الآن في الرابعة والثمانين) على الفارابي وابن رشد وابن سينا والرازي. لذلك فقد تحدث مراراً (وبالعربية) عن الفارابي وفلسفته حول السعادة، وعلائق ذلك بالفلسفة الكلاسيكية (أفلاطون وأرسطو)، وبإبداعاته الشخصية استنتاجاً إلى السائد في عصره. وكان طبيعياً، وكثيرون عندهم اختصاص بابن رشد، أن يتحدث عديدون مع اقتباساتٍ من رسائل ابن رشد وشروحه على أرسطو.

وكما في حالة الفارابي فإنّ عديدين حاولوا إظهار معاصرة ابن رشد. وانصرفت البحوث في أكثريتها إلى المسائل الأخلاقية والفلسفية المعاصرة، فعرضت ما أنجزته الفلسفة في مجالات القيم والأخلاق من حيث الإسهام في مقاربة المشكلات العالمية، ومن حيث المصالحة مع الدين أم مع «عودته» كما يقال.

وكان معالي العلامة الشيخ عبد الله بن بيه في افتتاحه للمؤتمر قد أقام تواصلاً بين القيم الدينية والأخلاقية والفلسفية. كما تعرّض بعضٌ للجوانب الأخلاقية الممكنة في الذكاء الاصطناعي وما شابه في زمن العولمة ووسائل الاتصال. وهذه المشكلات الأخلاقية أو التفسيرات الأخلاقية تعود للظهور في إعادة تأويل الفضائل والأخلاقيات الدينية والفلسفية مثل الضيافة والجوار والتراحم وأخلاقيات العفو والتسامح.

أين يقع التوازن أو التوسط بين القديم والحديث، بين الدين والفلسفة، بين الدين والأخلاق والعلم؟ هناك من اعتبر الفلسفة تفكيراً نقدياً، وهناك من اعتبرها تاريخاً وحسْب، وهناك أخيراً من يعيد ربطها بالأخلاق أو بالسياسات الديمقراطية. لقد ضرب بعضهم المثل بحنة أرندت، لكنّ البعض الآخر اعتبرها تقليديةً جداً، في حين رأى آخرون ضرورةَ العودة إلى قيم التنوير.

وكان هناك من رأى أن المسألة في الحضور باعتبارنا جزءاً من العالم وقيمه. ونحن نأتي إلى هذا العالَم من خلال مقولات السلام والعيش المشترك والمواطنة والكرامة والتقدم. وهي جميعاً قيم وأعراف وعادات وأخلاق صارت هي «المعروف» في عالم العصر وعصر العالم. لقد كان مؤتمر جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية حول الفلسفة والأخلاق عملاً مشتركاً من جانب عشرات الباحثين العرب للاندماج في المجتمع الفلسفي العالمي، فنحن نفهم وننجز ونسير في حاضرٍ يتطلب استجاباتٍ وإجابات، ومستقبلٍ حافلٍ بالتحديات وبالفرص والوعود. *أستاذ الدراسات الإسلامية -جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية