تعهدت الهند وبلدان مجموعة «آسيان» بإقامة شراكة استراتيجية شاملة، وذلك في خطوة تهدف إلى تعزيز علاقاتهما الاقتصادية. ولأول مرة، مثّل نائب الرئيس الهندي بلادَه في قمة آسيان - الهند التي عقدت في فنوم بينه لإحياء الذكرى الثلاثين للعلاقات بين آسيان والهند، والتي يحتفى بها هذا العام في إطار «سنة الصداقة بين آسيان والهند». 
ووسط التوترات الجيوسياسية الحالية التي تسببت فيها عوامل مختلفة، يُنظر إلى «آسيان» باعتبارها مجموعةً اكتست أهمية أكبر. إذ يرى الكثيرون في الغرب أن لدى المجموعة دوراً خاصاً لتلعبه في خفض التوترات وسط الانقسامات الحالية على خلفية حرب أوكرانيا والتوتر المتزايد بين الولايات المتحدة والصين. وتُعد «رابطة دول جنوب شرق آسيا» منظمة دولية تتألف من 10 بلدان أعضاء في جنوب شرق آسيا هي: بروناي وكمبوديا وإندونيسيا ولاوس وماليزيا وميانمار والفلبين وسنغافورة وتايلند وفيتنام. وفي هذا السياق، يُنظر إلى تعزيز العلاقات بين الهند، التي تُعد واحدة من أسرع الاقتصادات نمواً في العالم، وآسيان، باعتباره مفيداً للجانبين.

وتُعد المجموعة رابعَ أكبر شريك تجاري للهند بتجارة ثنائية بلغت قيمتها 86.9 مليار دولار في عام 2019 - 2020. كما تُمثل الهند خامسَ أكبر شريك تجاري بالنسبة لآسيان. وهناك التقاء للمصالح بين الجانبين في العديد من المجالات، كما أن هناك ثقة بين الجانبين وسط التوترات الجيوسياسية. وأحد مجالات القلق المشترك هو بالطبع التطورات في ميانمار، والتي تُثير قلق كل من جنوب شرق آسيا والهند المجاورة. ولهذا، تدفع كل هذه البلدان حكامَ ميانمار العسكريين إلى تبني خطة تتألف من خمس نقاط لوقف العنف الحالي، حيث أدت الاشتباكات بين المحتجين والسلطات إلى موت آلاف الأشخاص بعد انقلاب العام الماضي.
وبالنسبة للهند أيضاً، تُعد التطورات التي تشهدها ميانمار موضوعاً مثيراً للقلق. وتدعم الهند خطة السلام المؤلفة من خمس نقاط، والتي تشمل وقفاً فورياً للعنف في البلاد، وحواراً بين كل الأطراف المعنية، وتعيين مبعوث خاص، وتوفير مساعدة إنسانية من قبل «آسيان»، وزيارة من قبل مبعوث المجموعة الخاص إلى ميانمار من أجل الالتقاء مع كل الأطراف. وتشارك الهند في كل المنتديات المهمة التي تعقد تحت مظلة المجموعة، بما في ذلك «قمة شرق آسيا» و«وزراء دفاع آسيان+». والحقيقة أن العلاقة بين الهند وآسيان تعود إلى أكثر من ثلاثة عقود. ففي عام 1992، أصبحت الهند «شريكاً قطاعياً» لآسيان، ثم «شريكاً في الحوار» عام 1996، فشريكاً على مستوى القمة في عام 2002. وفي عام 2012، تطورت العلاقة إلى «شراكة استراتيجية». واليوم، هناك أكثر من 30 آلية حوار بين الجانبين تغطي مجموعةً واسعةً من المجالات. وفي عام 2017، دعا رئيس الوزراء مودي كل قادة بلدان آسيان لحضور احتفالات «يوم الجمهورية» التي تشمل استعراضاً عسكرياً سنوياً يُظهر قوة الهند وتنوعها الثقافي. 
وفي اجتماع القمة هذا الأسبوع، قرر الجانبان تعزيز تعاونهما في مكافحة الإرهاب. كما قررَا استكشافَ سبُل التعاون في مجالات جديدة من قبيل إقامة شراكات بين المدن، شراكات بين «شبكة مدن آسيان الذكية» و«مهمة المدينة الذكية» في الهند، وذلك عبر تعزيز التبادلات بخصوص أفضل الممارسات وبناء القدرات للمساعدة على بناء مدن تتسم بالمرونة والابتكار والتقدم التكنولوجي. كما اتفقا على تقوية الرعاية الصحية عبر تعزيز التعاون في الصحة العامة، بما في ذلك مجالات البحث والتطوير وطوارئ الصحة العامة، وسعياً إلى تعميق التعاون في مجالات أخرى لتوسيع العلاقات. 
وفضلاً عن تعزيز التعاون مع الهند في مجال الفضاء، بما في ذلك التعاون من خلال إقامة محطات الرصد واستقبال البيانات والمعالجة في فيتنام وإندونيسيا. وقررت المجموعة أيضاً النهوض بتعاونها مع قطاع الفضاء الهندي، وإضافة مجالات تعاون جديدة. ومثّلت السياحة قطاعاً آخر للتعاون من خلال التنفيذ الفعّال لخطط العمل في مجال السياحة بين آسيان والهند. كما قررت المجموعة تسريع مراجعة «اتفاقية التجارة في السلع بين آسيان والهند» لجعلها أكثر يسراً وبساطةً وجدوى من حيث تسهيل التجارة. كما يعمل الجانبان حالياً على إنشاء سلاسل توريد قوية ومرنة في وقت تسعى فيه البلدان إلى تنويع سلاسل توريدها عقب الاضطرابات التي تسببت فيها جائحة «كوفيد - 19». 
ويبدو أن الجانبين اتفقا على عدم السماح لقرار الهند في عام 2019 بعدم الانضمام إلى «الشراكة الاقتصادية الشاملة الإقليمية» التي تقودها آسيان بعرقلة التعاون بين الجانبين، إذ يظل العمل منصباً الآن على توسيع العلاقة الاقتصادية بشكل تدريجي. وبالنسبة للمجموعة أيضاً، يظل تعميق العلاقات مع الهند امتيازاً بالنظر إلى النمو الاقتصادي الذي يحققه هذا البلد الجنوب آسيوي، إذ تقوم المجموعة بالاستثمار بشكل متزايد حالياً في الهند. ففي الفترة بين عامي 2000 و2021، استثمرت المجموعةُ ما مجموعه 126.4 مليار دولار في الهند، منها 123 مليار دولار أتت من سنغافورة. وهذا الاتجاه يؤكد الإمكانيات الضخمة للتعاون في حال قررت دول أخرى من المجموعة الاستثمار في الهند. وفي الأثناء، يسعى رئيس الوزراء مودي إلى ضخ طاقة جديدة في «سياسة النظر إلى الشرق» الهندية التي أعاد تسميتها سياسة «التحرك شرقا» مع تركيز أكبر على تطوير الطرق والمواصلات مع جيران الهند في شرق آسيا. 

*رئيس مركز الدراسات الإسلامية - نيودلهي