بعد أسبوع واحد على أداء «الجمهوريين» الضعيف في الانتخابات النصفية الأميركية، أعلن دونالد ترامب عن اعتزامه الترشح للانتخابات الرئاسية في 2024، وذلك على الرغم من أنه يخضع حاليا لبعض التحقيقات القضائية، ويتلقى مناشدات من الكثير من أنصاره وأعضاء المؤسسة الجمهورية العليا كي لا يتقدم للسباق الرئاسي هذه المرة. 
أمام مجموعة من أقرب أنصاره في منزله في بالم بيتش، بولاية فلوريدا، ألقى ترامب خطاباً مكتوباً في جزء منه ومرتجلاً في جزء آخر، ركز على كيف أن ولايته الأولى في الرئاسة كانت واحدةً من أنجح الفترات الرئاسية في التاريخ الأميركي، وكيف أن هذا النجاح نُسف خلال العامين الأولين من إدارة بايدن. وعلى الرغم من أنه امتنع عن أن يتحدى بشكل مباشر منتقديه الجمهوريين الذين يعتبرون أن رفضه الاعترافَ بالخسارة في انتخابات 2020 أضرَّ بالحزب في الانتخابات النصفية، إلا أنه ألمح إلى إمكانية أن تكون الصين قد تدخلت في تلك الانتخابات لصالح جو بايدن!
خطاب ترامب كرّر آراءَه المعروفة التي عبّر عنها في خطاب تنصيبه في عام 2017 بشأن حالة أميركا: إن الولايات المتحدة في تراجع، وحدودُها مفتوحة، والمجرمون يُغرقونها بالمخدرات، ومدنها عنيفة، وسكانها العاملون يواجهون مخاطر اقتصادية، والعالَمُ يعتبر أميركا بلداً في تراجع. لكن الخطاب لم يفصح سوى عن القليل جداً بشأن الطريقة التي يعتزم بها التعاطي مع هذه المشاكل العويصة. وقال ترامب إن حرب أوكرانيا ما كانت لتندلع أبداً لو أنه كان في البيت الأبيض، دون أن يوضح كيفية ذلك. لكنه أعطى انطباعاً كما لو أنه يدرك أن عليه استعادة اهتمام الجمهور لصرف الانتباه عن التحديات التي يواجهها داخل حزبه.
ولعل أهم مؤشر في ما يتعلق بفرصه في الحصول على ترشيح الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية مرة أخرى هو ما إن كان سيستطيع إعادة تشكيل الدعم الذي كان يحظى به في عام 2016. غير أنه قبل هذا الإعلان، أوضحت إمبراطورية مردوخ الإعلامية، التي تملك «فوكس نيوز» و«نيويورك تايمز» و«وول ستريت جورنال»، أنها لن تدعم ترشحه مرة أخرى. وبالمثل، أعلن بعض مانحو الحزب الجمهوري الكبار أنهم لن يعطوه مبالغَ كبيرة. 
ولا شك في أن الأسابيع القليلة المقبلة ستُظهر ما إن كان ترشح ترامب الجديد سيكتسب قوةً وزخماً، وما إن كان منافسوه المحتملون على الترشيح سيكشفون عن مخططاتهم الشخصية للترشح للبيت الأبيض. سيحدث هذا على خلفية إخفاقات في الانتخابات النصفية شهدت خسارةَ بعض من أكثر مرشحي ترامب استفادةً من دعمه في سباقاتهم الانتخابية أمام «الديمقراطيين». ولعل الأهم من ذلك كله هو أن ناخبي أريزونا رفضوا كاري ليك كمرشحة لمنصب حاكم الولاية. وكانت كاري ليك قد هيمنت على الانتخابات النصفية في كل من الولاية التي تنحدر منها وعلى الصعيد الوطني. وكانت بمثابة المعادل النسوي لترامب في السياسة. ليك، المقدمة في قناة تلفزيونية محلية، شخصية ذكية ذات مظهر جذاب ومهارات تواصلية وقدرة على التحدث بسلاسة وإقناع. وقد أعلنت عن اعتقادها بأن انتخابات 2020 الرئاسية «سُرقت» من ترامب، وأنها إذا انتُخبت فإنها ستحرص على ألا تسمح ولايتها أبداً بحدوث ذلك مرة أخرى. ويبدو أنها وجدت متعةً خاصةً في إهانة أشهر جمهوري في أريزونا، ألا وهو السيناتور السابق وبطل الحرب جون ماكين. ففي إحدى فعاليات حملتها الانتخابية، وصفت ماكين بـ«الفاشل»، ثم توجهت إلى الجمهور قائلة: «ليس بيننا أي جمهوريين مناصرين لماكين هنا، أليس كذلك؟.. إننا سنغادر المكان!». وكانت جاذبيتها لأنصار ترامب على الصعيد الوطني قوية جداً لدرجة أن البعض اقترحها لتكون الرفيقة المثالية لترامب في سباق 2024 الانتخابي. 
وختاماً، فإن الآمال الجمهورية في انتصار حاسم في الانتخابات النصفية انتهت بتبادل الاتهامات. ولئن فاز الجمهوريون بأغلبية محدودة في مجلس النواب، فإنهم خسروا فرصتَهم في استعادة السيطرة على مجلس الشيوخ. وفي الأثناء، بدأت «لعبة تبادل اللوم» بتوجيه الانتقادات إلى كل زعماء الحزب، ولكن إلى ترامب بشكل خاص. قدرةُ هذا الأخير على التغلب على هذه البيئة القاتمة ستخضع قريباً للاختبار، وهناك احتمال كبير في أن لا يجتاز الاختبار هذه المرة. 

*مدير البرامج الاستراتيجية بمركز ناشيونل إنترست -واشنطن