عندما يجري الحديث عن التَّغيرات المناخيَّة، التي تُعقد لها القِمم العالميَّة، تقف البشريَّة فزعةً، حيث الاحتباس الحراريَّ، والجفاف، والبرد والحر في غير فصليهما. لكنَّ للتاريخ كلمته، أنَّ ما يحدث ليس جديداً، مما يُفسر باستغلال قلق البشر. 
هذا ما جرى النِّقاش حوله خلال «كورونا»، مَن ربحَ فيها ومَن خسر، ففي الأيام الأولى كان عائد إحدى الدّول ثلاثة مليارات دولار مِن الكمامات، ناهيك عن الأرباح العظيمة مِن المعقمات، والفحوصات، والتَّطعيمات، وكأن الأزمة مقصودة، هذا ما سمعناه مِن أطباء، مع أنَّ الأوبئة، وتداخل الفصول، لم يخلُ منه زمنٌ مِن الأزمانِ. 
يلفت كُتيب تيودور روانج Vagaries of the weather in past centuries (تقلبات المناخ في القرون الماضيَّة)، الصَّادر بالألمانيَّة (2010) والإنكليزيَّة (2017)، النَّظر إلى أنَّ التقلبات تتكرر، مستهلاً مِن «إنجيل الملك جيمس»: «هل كان هناك شيء يمكن أنْ يقال! انظر هذا الجديد، كان بالفعل مِن زمن قديم قبلنا»، أورد كعب بن زهير (ت: 26هج)، قولاً مطابقاً: «ما أرانا نقُولُ إلا رَجيعاً/ ومُعاداً مِن قولنا مكرورا» (السُّكريّ، شرح ديوان كعب). 
تناول المناخ قبل تيودور فخري الوصيف: «في تاريخيَّة الكوارث في العصور الوسطى الإسلاميَّة» (الثَّقافة والتُّراث 59/2007)، لكنه لم يتصدَّ لتعاقب البؤس والنَّعيم، إنما اهتم بأساليب المؤرخين في تناول المناخ. أما تيودور فكان ناقداً للضجة، على أنَّها مفتعلة. 
رصد تيودور المناخ، مِن سجلات الكنائس: شتاء (1572م) كان ساخناً، فتفتحت أزهار الأشجار في الشَّتاء، وبنت الطُّيور أعشاشها. شتاء وصيف (1669م) كانا جافين، بينما ربيع وخريف وصيف عام آخر كلها ربيع، وهكذا يأتي عام حار يعقبه آخر بارد، بين نعيم وبؤس، يحدث هذا ولم يكن هناك ما يسبب خللاً في المناخ. 
تابع مؤرخو الإسلام تلك التقلبات، بالشُّهور والأعوام، فأهل دجلة والفرات والنّيل أقاموا صلاة الاستسقاء لشدة الجفاف، وبما أنَّ أغلب تواريخ الإسلام صُنفت على السنين، جعلوا نهاية كلِّ سنة للحوادث، ذكروا فيها تقلبات المناخ المفزعة، فمِن غير جفاف ووباء (17- 18هج)، ذُكروا في (68هج) انعدمت الزّروع بالشَّام، فـ«لم يقدروا لشدته على الغزو، وشتى عبد الملك بأرض قنسرين» (ابن الجوزي، المنتظم). (168هج) أصاب النَّاس وباء وموت وظلمة وتراب أحمر، وفي (257هج) ظهرت نار عظيمة في السَّماء، اتسعت مِن المشرق إلى المغرب، وبعدها بسنتين حدثت زلازل عظيمة، ورياح شديدة وعمَّ الظَّلام، وتغير لون ماء النِّيل إلى الصُّفرة. 

(462هج): تركَ مصرَ والشَّامَ كثير من الرِّجال والنِّساء، هروباً مِن الجوع والموت، حتَّى «أكل النَّاس بعضهم بعضاً» (المنتظم). (493هج): كثر بالعراق الوباء، وانقطع المطر، وزاد المرض، «ورئي نعشٌ عليه ستة موتى» (نفسه). 

في عام 515 هجرية «سَقَطَ بِالْعِرَاقِ جَمِيعِهِ مِنَ الْبَصْرَةِ إِلَى تِكْرِيتَ ثَلْجٌ كَثِيرٌ، وَبَقِيَ عَلَى الْأَرْضِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوماً، وَسُمكهُ ذِراعٌ وَهَلَكَتْ أَشْجَارُ النَّارِنْجِ، وَالْأُتْرُجِّ، وَاللَّيْمُونِ» (ابن الأثير، الكامل). فقال البديع الأسطرلابيّ مستغلاً الظَّرف: (ت: 534هج): «يا صدور الزَّمان ليس بوفرٍ/ ما رأيناه في نواحي العِراقِ/ إنما عمّ ظلمكم سائر الأر/ ضِ فشابت ذوائبُ الآفاقِ» (الحموي، إرشاد الأريب). وفيها «هَبَّتْ بِمِصْرَ رِيحٌ سَوداءُ ثَلاثةَ أيَّامٍ، فَأَهْلَكَتْ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ»(الكامل). 
لم تخلُ الكوارث مِن طرافة، صادف تشييع المستنصر بالله (ت: 640هج) عاصفة هوجاء، فارتجل عليُّ المُخَرِّمي (ت: 646هج): «تحركت الرِّياحُ الهوجُ لَما/ أرادتْ كعبةُ الجودِ ارتحالا / وقالت مَنْ يعلمني سخاء/ أهب به ويغمركم نوالا؟/ فقلت لها: خليفتُه المُرجى/ إمام العَصرِ فانقلبت شمالا» (الحوادث الجامعة/ تحقيق: مصطفى جواد)، ومعلوم أنَّ رياحَ الشَّمالِ نسائم لا عواصف. 

* كاتب عراقي