في أغسطس 1993، عُين رياض سلامة حاكماً لمصرف لبنان المركزي لمدة ست سنوات، ونظراً لكفاءته في إدارة البنك وقيادته للسياسة النقدية التي كانت ولا تزال الممول الرئيسي لخزينة الدولة، رغم عجز السياسة المالية الذي تسبب في تراكم الدين العام حتى تجاوز 94 مليار دولار. وقد أُعيد تعيينه لأربع ولايات متتالية، كان آخرها في أغسطس 2017، أي في عهد الرئيس السابق ميشال عون الذي اصطدم بموانع قانونية عندما حاول، لأسباب سياسية، وأكثر من مرة، إنهاء خدماته قبل انتهاء ولايته الخامسة في يوليو المقبل. 
وإضافة إلى ذلك، برز نشاط سلامة على الصعيدين العربي والدولي من خلال عضويته في مجلس إدارة صندوق النقد العربي، وصندوق النقد الدولي، وترؤسه اجتماعات مجلسي محافظي الصندوقين عام 2012 في طوكيو. كما ترأَّس لمدة عامين (2013–2015) مجلسَ الاستقرار المالي لمنطقة دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ونال طوال السنوات الماضية جوائز عدة، منها أفضل حاكم للبنك المركزي في الشرق الأوسط من مجلة «ذي بانكر»، وأفضل حاكم للبنك المركزي في العالم من مجلة «يوروموني»، كما نال في عام 2019 اللقبَ ذاتَه من مجلة «غلوبال فاينانس» بين 94 حاكم مصرف مركزي في العالَم. 
لكن رغم كل هذه الإنجازات والألقاب التي سجلها رياض سلامة، لم ينجح لبنانُ في تجنب الآثار السلبية الناتجة عن انعكاس صراعات سياسية إقليمية ممتدة ساهمت في انهيار ركائز الاقتصاد الوطني الهشة، وفي مقدمتها السياحة والتحويلات الخارجية والدعم المالي الخارجي، مع تفاقم الدين العام. ولعل المؤشر السلبي الأخطر برز في مارس 2020، عندما أعلنت حكومة حسان دياب التوقفَ عن دفع سندات دين اليوروبوند، فخسر لبنان ثقة المجتمعين العربي والدولي، وبدأ التضخم بالارتفاع مسجلاً مستوياتٍ خطيرةً مع تدهور سعر صرف الليرة وارتفاع سعر الدولار الأميركي. 
ولمواجهة تلك التطورات السلبية، بدأ البنك المركزي في نوفمبر 2019، استخدام ما لديه من احتياطي نقدي بالعملات الأجنبية، والبالغ نحو 32 مليار دولار، ما أدى إلى انحداره بعد ثلاث سنوات إلى 10 مليارات دولار.. فأين ذهب نحو 22 مليار دولار؟ إذا كان الفريق السياسي الحاكم يعتبر هذا المبلغ خسائر تسجل على البنك المركزي، فإن سلامة يعتبره ديناً على الدولة، وهو موزع بين 8.32 مليار دولار للقطاع العام، و7.57 مليار دولار لتمويل استيراد المواد الغذائية المدعومة، و7.44 مليار دولار قيمة الخسائر التي تكبدها مصرف لبنان من سندات اليوروبوند العائدة لخزينة الدولة. وبلغت تكلفة الفائدة على هذه الأموال 14.8 مليار دولار. وقد تم هدر معظم هذه الأموال، سواء لجهة المواد المدعومة التي كانت تُهرَّب إلى سوريا، أو لجهة هدر إنفاق مؤسسة الكهرباء التي كانت تستنزف ديون الخزينة المتراكمة، من دون تأمين الكهرباء للشعب اللبناني.
أما بالنسبة لخسائر المركزي، فهي الناتجة عن تدخله لشراء أو بيع الدولار الأميركي، وهذا ما حصل مؤخراً خلال فترة 45 يوماً (من 15 سبتمبر إلى 31 أكتوبر 2022)، إذ اشترى نحو 657 مليون دولار من السوق الموازية، وزاد قيمة احتياطيه من 9.61 مليار دولار إلى 10.27 مليار دولار، وتكبد المزيدَ من الخسائر الناتجة عن الفرق بين قيمة الدولارات المسجلة بسعر الصرف الرسمي وسعر السوق الموازي. لكن يبدو أن البنك لجأ إلى إخفاء هذه الخسائر عبر قيد موجودات غير واقعية تحت بند «الموجودات الأخرى». ولوحظ أن قيمة هذا البند ارتفعت خلال تلك الفترة بنسبة 27.3%، من 109.4 تريليون ليرة إلى 139.34 تريليون ليرة، والأخطر أنه أصبح يشكل نحو 49% من ميزانية البنك بنهاية أكتوبر الماضي. 

*كاتب لبناني متخصص في الشؤون الاقتصادية