ليس صحيحاً أن إسرائيل دولة قيادات كاريزمية سواء كانت مدنية أو عسكرية بل هي دولة تتبع خطاً سياسياً قائماً على فكرة التعددية والليبرالية، ومحاولة تطبيق نموذج ديمقراطي تروج له وللعالم وتحاول نقله للرأي العام الدولي، ولهذا قبلت بوجود عرب 48 ضمن منظومة العمل اليهودي منذ إنشاء الدولة، ودخلت في اختبارات عدة من أجل الدفاع عن الأقليات والجاليات والقوى المجتمعية القادمة إلى إسرائيل منذ قيام هذه الدولة إلى اليوم، وبدليل أن التمثيل العربي دخل ولأول مرة منذ عام 48 الكنيست الإسرائيلي ضمن ائتلاف شكل وقته من 8 أحزاب سياسية.
اليوم تتغير المعادلة الرئيسة في المشهد الإسرائيلي، حيث يعود حكم اليمين بالكامل إلى الساحة السياسية، وفي ظل صعود الكاهانية الجديدة التي اعتبرت، ولسنوات داخل إسرائيل وخارجها حركة عنصرية فاشية، وغير مسموح لها ممارسة السياسة أصلاً، ومع تطور الأوضاع في إسرائيل منذ حقبة التسعينات، فإن المد اليميني بات واقعاً حقيقياً في الساحة السياسية الإسرائيلية، وسيعبر عن نفسه خلال الفترة الراهنة من حكم إسرائيل، كما سيتزايد التدخل في السياسات الاجتماعية والاقتصادية، ومواجهة ما يجري في الساحة السياسية من تحولات قد تذهب بالاستقرار المنشود من قبل مراكز القوى في إسرائيل، والتي تتجه لترتيب الأجواء سياسياً حيث تعمل هذه القوى انطلاقاً من دورها في المؤسسة العسكرية، والدينية وتضم عدداً كبيراً من القيادات الوازنة المهمة التي ستتدخل لضبط تشكيل الحكومة، ووضع تصور لإدارة أوضاعها، وعدم القبول بسياسات قد تؤدي إلى مزيد من التأزم أو عزلة إسرائيل بسبب بعض الشخصيات المرشحة لدخول الحكومة الجديدة خاصة وأن صعودها في التوقيت الراهن هدفه إدخال إسرائيل في حالة من عدم الاستقرار، بل والتأزم المستمر بعد إجراء الانتخابات، وحسم الجمهور الإسرائيلي خياراته، وأعطى لليمين الإسرائيلي صوته مما يؤكد على أن الأمر يتجاوز التصور العقائدي، أو الفكري إلى مرحلة أخرى من إدارة الحكم في إسرائيل، ومن ثم فإن إطلاق التخيلات بأن إسرائيل ستواجه إشكاليات كبرى بسبب هذه الأسماء الصاعدة غير صحيح، خاصة وأنه ما زال في الساحة السياسية عناصر في حزب «شاس» و«يسرائيل بيتنا» بل، وفي «الليكود» ذاته موصومون بممارسة التطرف في خطابهم الإعلامي والسياسي.
ضبط المشهد السياسي في إسرائيل سيظل محكوماً ومنضبطاً، ولن ينفلت الزمام أبداً، فاليمين الإسرائيلي متشدد بالفعل جراء سياساته وشعاراته، ولكن على يمينه، وعلى يساره يمين آخر لا يمكن وصفه بأنه يمين معتدل يمكن قبول التعامل معه، أو التوافق بشأن سياساته بدليل أن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق نتنياهو لم يفرط في قناعاته أبداً، وظل متمسكاً بنفي الشريك الفلسطيني مكتفيا بالتنسيق الأمني مع السلطة دون أن يقدم على أي خطوة سياسية تفتح باب التفاوض مع الجانب الفلسطيني، أو حتى تقديم أية تنازلات بل استمر في التصعيد المباشر.
السياسات المحتملة لليمين الإسرائيلي سوف تصطدم بكثيرين إن استمرت عناصره في التصعيد، وسيؤدي ذلك لمزيد من التأزم في إطار علاقات إسرائيل ليس في الإقليم فقط، بل ومع العالم الخارجي خاصة في إطار العلاقات مع واشنطن وموسكو حيث تتأهب إسرائيل لحجز دور متقدم في الترتيبات الجارية ليس في الشرق الأوسط، وإنما أيضا في المنظومة الإقليمية التي تتعامل معها إسرائيل في ظل حسابات محددة مع رصد المخاطر، والتحديات التي تواجه إسرائيل في المديين القصير والطويل الأجل.
إسرائيل ستواجه مرحلة حاسمة في تاريخها، ما لم ينضبط حكم اليمين القادم ويتعامل بسياسات أكثر قبولاً وحضوراً، لأن البديل سيكون التعامل مع عناصر يمينية متشددة ومتطرفة ستضر بسمعة إسرائيل إقليمياً ودولياً، وهو ما لن تسمح به مراكز القوى في المجتمع الإسرائيلي، والتي تعمل في اتجاه الحفاظ على سمعة إسرائيل أولاً، وأخيراً مع الموازنة مع العقائد والأيديوولوجيا التي حكمت المد اليميني سنوات طويلة، وما تزال تعمل في الساحة الحزبية، وتبحث عن موضع قدم فيما يجري من تحولات حقيقية تحكم المجتمع الإسرائيلي، وتطوراته الحزبية الداخلية. 

* أكاديمي متخصص في الشؤون الاستراتيجية